للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للقاعدِ. قال المازريُّ (١): لأنهُ قدْ يتوقعُ القاعدُ منهُ الشرَّ، ولا سيِّما إذا كانَ راكِبًا، فإذا ابتدأَه بالسلامِ أمِنَ منهُ، وأنسَ إليهِ، أو لأنَّ في التصرفِ في الحاجاتِ امتهانًا فصارَ للقاعدِ مزيةٌ فأمرَ [المارَّ] (٢) بالابتداءِ، أو لأنَّ القاعدَ يشقُّ عليهِ مراعاةُ المارِّينَ معَ كثرتِهم فسقطتِ البداءةُ عنهُ للمشقةِ عليهِ، وفيهِ شرعيةُ ابتداءِ القليلِ بالسلامِ على الكثيرِ. وذلك لفضيلةِ الجماعةِ، أوْ لأنَّ الجماعةَ لو ابتدؤُوا لخِيفَ على الواحدِ الزهوُّ فاحتيطَ لهُ، لو مرَّ جمعٌ كثيرٌ على جمع قليلٍ، أو مرَّ الكبيرُ على الصغيرِ: قالَ المصنفُ: لم أرَ فيه نصًا. واعتبرَ النوويُّ (٣) المرورَ فقالَ: الواردُ يبدأُ سواءٌ كانَ صغيرًا أو كبيرًا. وذكرَ الماورديُّ (٤) أن منْ مشَى في الشوارعِ المطروقةِ كالسوقِ أنهُ لا يسلِّم إلا على البعضِ لأنهُ لو سلَّم على كلِّ منْ لقي لتشاغلَ به على المهمِّ الذي خرجَ لأجلهِ، وخرجَ بهِ عن العرفِ. وفيهِ شرعيةُ ابتداءِ الراكبِ على الماشي، وذلكَ لأنَّ للراكبِ مزيةً على الماشي، فعوَّضَ الماشيَ بأنْ يبدأهُ الراكبُ بالسلامِ احتياطًا على الراكبِ منَ الزهوِّ لو حازَ الفضيلتينِ، وأما إذا تلاقَى راكبانِ أو ماشيانِ فقدْ تكلَّم فيها المازريُّ (٥) فقالَ: يبدأُ الأَدْنَى [منهما] (٦) على الأعلَى قدْرًا في الدينِ إجلالًا لفضلِه، لأنَّ فضيلةَ الدينِ مرغَّبٌ فيها في الشرعِ، وعلَى هذَا لو التقَى راكبانِ ومركوبُ أحدِهما أعلَى في الجنسِ منْ مركوبِ الآخرِ كالجملِ والفرسِ فيبدأُ راكبُ الفرسِ، أو يُكْتَفَى بالنظرِ إلى أعلاهُما قدْرًا في الدينِ، فيبدأُ الذي [هوَ] (٧) فوقَه، والثاني أظهرُ، كما لا ينظرُ إلى مَنْ يكونُ أعلاهُما قدْرًا منْ وجهةِ الدنيا إلَّا أنْ يكونَ [سلطانًا] (٨) يُخْشى منهُ، وإذا تساوى المتلاقيانِ منْ كلِّ جهةٍ فكلٌّ منْهما مأمورٌ بالابتداءِ، وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلامِ كما ثبتَ في حديثٍ (٩) المتهاجرَيْنِ.

وقَدْ أخرجَ البخاريُّ في الأدبِ المفردِ (١٠) بسندِ صحيحٍ منْ حديثٍ جابرٍ:


(١) ذكره الحافظ في "الفتح" (١١/ ١٧).
(٢) زيادة من (ب).
(٣) ذكره الحافظ في "الفتح" (١١/ ١٧).
(٤) انظر: "الأذكار" للنووي (ص ٤٠٩).
(٥) ذكره الحافظ في "الفتح" (١١/ ١٦).
(٦) زيادة من (ب).
(٧) زيادة من (ب).
(٨) زيادة من (ب).
(٩) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (٦٠٧٧)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٢٥٦٠).
(١٠) رقم (٩٩٤ ث ٢٢٩).