للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وصلَ رحِمهُ، وإنْ قَطَعَها فستُّونَ، وقدْ سبق في علمِهِ تعالى أنَّهُ يَصِلُ أوْ يَقْطعُ، فالذي في علمِ اللَّهِ لا يتقدمُ ولا يتأخرُ، والذي في علمِ الملَكِ هوَ الذي يمكنُ فيهِ الزيادةُ والنقصُ وإليهِ الإشارة بقولِه تعالَى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} (١)؛ فالمحو والإثباتُ بالنسبهِ إلى ما في علمِ الملكِ وما في أمِّ الكتابِ، وأما الذي في علمِ اللَّهِ سبحانه فلا محوَ فيهِ ألبتةَ. ويقالُ لهُ القضاءُ المبرَمُ، ويقال للأولِ القضاءُ المعلَّقُ، انتهى. والوجهُ الأولُ أَلْيَقُ؛ فإنَّ الأثرَ ما يَتْبَعُ الشيءَ فإذا أخِّر حَسُنَ أنْ يحملَ على الذكرِ الحسنِ بعدَ فَقْدِ المذكورِ، ورجَّحه الطيبي (٢)، وأشارَ إليهِ في الفائقِ (٣). ويؤيدهُ ما أخرجَهُ الطبراني (٤) في الصغيرِ بسندٍ ضعيفٍ عنْ أبي الدرداءِ قالَ: ذُكِرَ عندَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ وصلَ رحِمَهُ أُنْسِئَ لهُ في أجلهِ؟ فقالَ: "إنهُ ليسَ زيادةً في العمر، قالَ تعالَى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}، ولكنَّ الرجلَ تكونُ لهُ الذريةُ الصالحةُ يدعونَ لهُ منْ بعدِه"، وأخرجَهُ في الكبيرِ (٥) مرفوعًا منْ طريقٍ أُخْرَى. وجزم (٦) ابنُ فَوْرَكِ بأنَّ المرادَ بزيادةِ العمرِ نفيُ الآفاتِ عنْ صاحبِ البرِّ في فهمهِ وعقلهِ. وقالَ غيرهُ: في أعمَّ منْ ذلكَ، وفي وجود البركة في عمله ورزقِه. ولابنِ القيمِ في كتابِ الداءِ والدواءِ (٧) كلامٌ [يقضي] (٨) بأنَّ مدةَ حياةِ العبدِ وعمرِه هي مهْمَا كانَ قلبهُ مقِبلًا على الله تعالى، ذاكرًا لهُ، مطيعًا غيرَ عاصٍ فهذهِ هيَ عمرهُ [وحياته] (٩)، ومتى أعرض القلبُ عن اللَّهِ تعالَى، واشتغلَ بالمعاصي ضاعتْ عليهِ أيامُ حياةِ عمرهِ، فعلَى هذا أنهُا ينسأُ لهُ في أَجلهِ، أي يعمرُ اللَّهُ قلبَه بذكرِه وأوقاتهِ بطاعتهِ. ويأتي تحقيقُ صلةِ الرحمِ.


(١) سورة الرعد: الآية ٣٩.
قلت: وفي الاستدلال بهذه الآية نظر، فإنها ذكرت في الآيات الكونية فتأمل.
ويجب أن تفهم آيات القرآن مجتمعة لا مفرقة.
(٢) و (٣) ذكرهما الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤١٦).
(٤) عزاه إليه الهيثمي في "المجمع" (٨/ ١٥٣).
وقال: ليس في إسناده متروك ولكنهم ضعفوا.
(٥) عزاه الهيثمي إلى الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" رقم (٢٨٥٨)، وكذلك في مجمع الزوائد (٨/ ١٥٣).
(٦) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤١٦).
(٧) ص ٩٠، ٩١.
(٨) في (أ): "يقتضي".
(٩) زيادة من (أ).