للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"منعًا وهاتِ" المنعُ مصدرٌ منْ منعَ يمنعُ، والمرادُ منعُ ما أمرَ اللَّهُ تعالى به أنْ لا يمنعَ، وهاتِ فعلُ أمرٍ مجزومٌ، والمرادُ به النَهيُ عنْ طلبِ ما لا يستحقُّ طلبَه. وقولُه: "وكرهَ لكم قيلَ وقالَ" يروى بغيرِ تنوينٍ حكايةَ للفظِ الفعلِ: ورُوِيَ منونًا وهي في رواية البخاريِّ (١)، قيلًا وقالًا، على بالنقلِ منَ الفعليةِ إلى الاسميةِ والأولُ أكثرُ. والمرادُ بهِ نقلُ الكلام الذي [يسمعهُ] (٢) إلى غيرهِ، فيقولُ: قيلَ كذَا وكذَا بغيرِ تعيينِ القائلِ، وقالَ فلان كذَا وكذَا، وإنَّما نَهَى عنهُ لأنهُ منَ الاشتغالِ بما لا يعني المتكلِّم، ولكونهِ قدْ يتضمنُ الغيبةَ والنميمةَ والكذبَ لا سيَّما معَ الإكثارِ منْ ذلكَ قلَّما يخلو عنهُ، قالَ المحبُّ الطبريُّ: فيهِ ثلاثةُ أوْجْهٍ:

أحدُها: أنَّهما مصدرانِ للقولِ، تقولُ: قلتُ قولًا وقيلًا. وفي الحديث الإشارةُ إلى كراهةِ كثرةِ الكلامِ.

ثانيها: إرادةُ حكايةِ أقاويلِ الناسِ، والبحثُ عنْها لتخبرَ عنْها فيقول قالَ فلانٌ كذَا، وقيلَ لهُ كذا. والنهيُ عنهُ إما للزجرِ عن الاستكثار [منهُ] (٣)، وإما لما يكرهه المحْكَى عنهُ.

ثالثُها: أن ذلكَ حكايةُ الاختلافِ في أمورِ الدينِ كقولِه: قالَ فلانٌ كذا، وقال فلانٌ كذَا. ومحل كراهةِ ذلكَ في أنْ يكثرَ [منهُ] (٤) بحيثُ لا يأمنْ منَ الزللِ، وهوَ في حقِّ منْ ينقلُ بغيرِ تثبتِ في نقلهِ لما يسمعُه ولا يحتاطُ لهُ، ويؤيدُ هذا الحديثَ الصحيحَ: "كفَى بالمرءِ إثمًا أن يحدِّثَ بكلِ ما سمعَ"، أخرجه مسلمٌ (٥).

قلتُ: ويحتملُ إرادةُ كلٍّ منَ الثلاثةِ. وقولُه: "وكثرةُ السؤالِ" هوَ السؤالُ للمالِ أو عن المشكلاتِ منَ المسائلِ، أو مجموعُ الأمريْنِ وهوَ أَوْلَى. وتقدَّمَ في الزكاة تحريمُ مسألة المالِ، وقدْ نَهَى عن الأغلوطاتِ. أخرجَهُ أبو داودَ (٦)، وهي المسائلُ التي يغلطُ بها العلماءُ ليزلُّوا، فينتجَ بذلكَ شرٌّ وفتنةٌ. وإنَّما نهَى عنْها


(١) انظر "الفتح": (١٠/ ٤٠٧) وقال: "ووقع في رواية الكشميهني هنا: قيلًا وقالًا.
(٢) في (أ): "يستمعه".
(٣) في (أ): "عنه".
(٤) في (أ): "عنه".
(٥) في "صحيحه" في المقدمة رقم (٥/ ٥).
(٦) في "السنن" رقم (٣٦٥٦)، وهو حديث ضعيف.