للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لكونها غيرَ نافعةٍ في الدين، ولا يكادُ أنْ يكونَ إلَّا فيما لا ينفعُ. وقدْ ثبتَ عنْ جمع منَ السلفِ كراهة تكلُّفِ المسائلِ التي [يستحيلُ] (١) وقوعُها عادةً، أوْ يندرُ وقوعُها جدًّا لما في ذلكَ منَ التنطعِ، والقولُ بالظنِّ الذي لا يخلُو صاحبُه عن الخطأِ. وقيلَ: كثرةُ السؤالِ عنْ أخبارِ الناسِ، وأحداثِ الزمانِ، وكثرةِ سؤالِ إنسانٍ معينٍ عنْ تفاصيلِ حالِه وكانَ مما يكرهُه المؤوِّلُ. وقولُه: "وإضاعةُ المالِ" المتبادرُ منَ الإضاعةِ ما لم يكنْ لغرضٍ دينيٍ ولا دنيويٍ، وقيلَ هوَ الإسرافُ في الإنفاقِ. وقيدَه بعضُهم [بالإنفاقِ في الحرام] (٢). ورجَّحَ المصنفُ أنهُ ما أُنفِقَ في غير وجهه المأذونِ فيه شرعًا، سواءٌ كانتْ دينيةً أو دنيويةً، لأنَّ اللَّهَ تعالَى جعلَ المالَ قيامًا لمصالحِ العبادِ، وفي التبذيرِ تفويتُ تلكَ المصالحِ، إما في حقِّ صاحبِ المالِ، أو في حقِّ غيرِه. قالَ: والحاصلُ أن في كثرةِ الإنفاقِ ثلاثةَ وجوهٍ:

الأولُ: [الإنفاقُ] (٣) في الوجوهِ المذمومةِ شرْعًا، ولا شكَّ في تحريمهِ.

والثاني: الإنفاقُ في الوجوهِ المحمودةِ شرْعًا، ولا شكَّ في كونهِ مطلوبًا ما لم يفوِّتْ حقّا آخرَ أهمَّ منْ ذلكَ المنفقِ فيهِ.

الثالثُ: الإنفاقُ في المباحاتِ، وهوَ منقسمٌ إلى قسمينِ، أحدِهما أن يكونَ على وجهٍ يليقُ بحالِ المنفقِ، وبقدرِ مالهِ فهذا ليسَ بإضاعةٍ ولا إسرافٍ، والثاني أنْ يكونَ فيما لا يليقُ عُرْفًا، فإنْ كانَ لدفعِ مفسدةٍ إما حاضرةً أو متوقعةً فذلكَ ليسَ بإسرافٍ، وإنْ لم يكنْ كذلكَ فالجمهورُ على أنهُ إسرافٌ، قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ (٤): ظاهرُ القرآنِ أنهُ إسرافٌ وصرَّحَ بذلكَ القاضي (٥) حسينٌ فقالَ في كتاب قسمِ الصدقاتِ: هوَ حرامٌ، وتبعُه الغزاليُّ (٦)، وجزمَ بهِ الرافعيُّ (٧) في الكلام على الغارمِ، وقالَ الباجيُّ (٨) منَ المالكيةِ: إنهُ يحرمُ استيعابُ جميعِ المالِ بالصدقةِ. قالَ: ويُكْرَهُ كثرةُ [الإنفاق] (٩) في مصالح الدُّنيا، ولا بأسَ بهِ إذا وقعَ نادرًا


(١) في (أ): "تستحيل".
(٢) في (أ): "أن في الإنفاق المحرم".
(٣) زيادة من (ب).
(٤) ذكرهم الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤٠٨).
(٥) و (٦) و (٧) ذكرهم الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤٠٨).
(٨) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤٠٨).
(٩) في (ب): "إنفاقه".