للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقولُه: "وبينهَما مشتبهاتٌ، لا يعلمهنَّ كثيرٌ منَ الناسِ"، المرادُ بها التي لم يعرفْ حِلَّها ولا حرمتهَا، فصارتْ مترددةَ بينَ الحلِّ والحرمةِ عندَ الكثيرِ منَ الناسِ، وهمُ الجهالُ فلا يعرفُها إلا العلماءُ بنصٍّ، فما لم يوجدْ فيهِ شيءٌ منْ ذلكَ اجتهدَ فيهِ العلماءُ وألحقوهُ بأيّهما بقياسٍ أو استصحابٍ أو نحوِ ذلكَ؛ فإنْ خفيَ دليلُه فالورعُ تركُه ويدخلُ تحتَ: "فمنِ اتقى الشبهاتِ فقدِ استبرأ"، أي: أخذَ البراءةِ "لدينهِ وعرضِه"، فإذا لم يظهرْ للعالمِ دليلُ تحريمهِ ولا [حلِّه] (١) فإنهُ يدخلُ في حكمِ الأشياء قبلَ ورودِ الشَّرعِ، فمنْ لا يثبتُ للعقلِ حكمًا يقولُ لا حكمَ فيها بشيءٍ، لأن الأحكامَ شرعيةٌ، والفرضُ أنهُ لم يُعْرَفُ فيها حكمٌ شرعيٌّ ولا حكمٌ للعقلِ. والقائلونَ بأنَّ العقلَ حاكمٌ لهم في ذلكَ ثلاثةُ أقوالٍ: التحريمُ، والإباحةُ، والوقفُ. وإنما اختُلِفَ في [المشتَبِهاتِ] (٢) هلْ هيَ مما اشتبهَ تحريمُه، أو ما اشتبهَ بالحرامِ الذي قدْ صحَّ تحريمهُ؟ رجحَ المحققونَ الأخيرَ، ومثَّلُوا ذلكَ بما وردَ في حديثِ عقبةَ بن الحارثِ الصحابيِّ (٣) الذي أخبرتْه أمةٌ سوداءٌ بأنَّها أرضعتْه، وأرضعتْ زوجتَه، فسألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عنْ ذلكَ فقالَ له - صلى الله عليه وسلم -: "كيفَ وقدْ قيلَ"؛ فقدْ صحَّ تحريمُ الأختِ منَ الرضاعةِ شرْعًا قطعًا، وقد التبستْ عليهِ زوجتهُ بهذَا الحرامِ المعلومِ، ومثلُه التمرةُ التي وجدَها - صلى الله عليه وسلم - في الطريقِ فقالَ: "لولا أني أخافُ [أنها] (٤) منَ الزكاةِ [أو منَ الصدقةِ] (٥) لأكلْتُها" (٦)؛ فقدْ صحَّ تحريمُ [الصدقة] (٧) عليهِ، ثمَّ والتبستْ هذهِ التمرةُ بالحرامِ المعلومِ. وأما ما التبسَ هلْ حرَّمه اللَّهُ علينا أم لا؟ فقدْ وردتْ أحاديثُ دالةٌ على أنهُ حلالٌ، منها حديثُ سعدِ بن أبي وقاصٍ (٨): "إنَّ مِنْ أعظمِ الناسِ إثمًا في المسلمينَ مَنْ سألَ عنْ


(١) في (أ): "تحليله".
(٢) في (أ): "المشبهات".
(٣) أخرجه البخاري (٩/ ١٥٢ رقم ٥١٠٤)، والطيالسي في "المسند" (ص ١٩٠ رقم ١٣٣٧).
وأحمد في "المسند" (٤/ ٧)، والدارمي (٢/ ١٥٧، ١٥٨)، وأبو داود (٤/ ٢٧ رقم ٣٦٠٣)، والترمذي ٣١/ ٤٥٧ رقم ١١٥١). والنسائي (٦/ ١٠٩)، والبيهقي (٧/ ٤٦٣).
(٤) في (أ): "أن يكون".
(٥) زيادة من (ب).
(٦) أخرجهُ مسلم رقم (١٦٤/ ١٠٧١).
(٧) في (أ): "الزكاة".
(٨) أخرجه البخاري رقم (٧٢٨٩)، ومسلم رقم (٢٣٥٨)، وأبو داود في "السنن" رقم (٤٦١٠) عن سعد بن أبي وقاص بلفظ: "إن أعظم المسلمين جرمًا .. ".