للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شيءٍ لم يحرَّمْ فحرُمَ منْ أجلِ مسألته"؛ فإنهُ يفيدُ أنهُ كانَ قبلَ سؤالهِ حلالًا، ولما اشتبَهَ عليه سألَ عنهُ، فحرمَ منْ أجلِ مسألتهِ، ومنْها أحاديث: "ما سكتَ اللهُ عنهُ فهوَ مما عُفِيَ عنْه" (١) لهُ طرقٌ كثيرةٌ، ويدلُّ لهُ قولُه تعالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} (٢). فكلُّ ما كانَ طيبًا ولم يثبت تحريمهُ فهوَ حلالٌ وإن اشتَبَهَ علينا تحريمهُ، والمرادُ بالطيبِ ما أحلَّه اللهُ تعالى على لسانِ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أو سكتَ عنهُ، والخبيثُ ما حرَّمهُ وإنْ عدَّتْهُ النفوسُ طَيِّبًا، كالخمرِ فإنهُ أحدُ الأَطْيَبَيْنِ في لسانِ العربِ في الجاهليةِ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ (٣): إن الحلالَ الكسبُ الطيبُ وهوَ الحلالُ المحضُ، وأنَّ المتشابهَ عندنَا في حيّز الحلالِ بدلائلَ ذكَرْناها [في غيرِ هذا الموضعِ] (٤). ذكرهَ صاحبُ تنضيد [التمهيدِ] (٥) في الترغيبِ في الصدقةِ نقلَه عنهُ السيدُ محمدُ بنُ إبراهيمَ الوزير، وقدْ حقَّقْنَا أنهُ منْ قسمِ الحلالِ البينِ في رسالتِنا المسمَّاةِ: القولُ المبينُ. وقالَ الخطابيُّ (٦): ما شككتَ فيهِ فالأَوْلَى اجتنابُه، وهوَ على ثلاثةِ أحوالٍ: واجبٍ، ومستحبٍّ، ومكروهٍ، فالواجبُ اجتنابُ ما يستلزمُ المحرَّمَ، والمندوبُ اجتنابُ معاملةِ منْ غلبَ على مالهِ الحرامُ، والمكروهُ اجتنابُ الرخصةِ المشروعةِ اهـ. قالَ في الشرحِ: وقدْ ينازعُ في المندوبِ، فإنهُ إذا كانَ الأغلبُ الحرامَ فالأولى أنْ يكونَ واجبَ الاجتنابِ، وهوَ الذي بنى عليهِ الهادويةُ في معاملةِ الظالمِ فيما لم يظنَّ تحريْمَهُ، لأنَّ الذي غلبَ عليهِ الحرامُ يظنُّ فيهِ التحريمُ اهـ. وقدْ أوضحْنا هذا في حواشي ضوءِ النهارِ. وقسَّمَ الغزاليُّ (٧) الورعَ أقسامًا: ورعَ الصدِّيقينَ، وهوَ تركُ ما لم يكنْ بينته واضحةً على حلّه، وورعُ المتقينَ، وهوَ ما لا شبهةَ فيهِ ولكنْ يخافُ أنْ يجرَّ إلى الحرامِ،


(١) وهو جزء من حديث أخرجه الحاكم (٢/ ٣٧٥) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
قلت: فيه رجاء بن حيوه قال فيه ابن معين: صويلح، وقال أبو زرعة: لا بأس به.
• وأورد الحديث الهيثمي في "المجمع" (٧/ ٥٥) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات.
والخلاصة: أن الحديث حسن.
(٢) سورة الأعراف: الآية ١٥٧.
(٣) كما في "فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر" (٧/ ١٧٢).
(٤) زيادة من (ب).
(٥) في (أ): "المذهب".
(٦) ذكره ابن حجر في "الفتح" (٤/ ٢٩٣).
(٧) انظر: "الأحياء" (٢/ ٩٤ - ٩٦).