للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشرابِ، ويلبسونَ ألوانَ الثيابِ، ويتشدَّقونَ في الكلامِ، فأولئكَ شِرارُ أمتي". وقالَ لقمانُ لابنِه (١): يا بنيَّ إذا امتلأتِ المعدةِ نامتِ الفكرةُ، وخرستِ الحكمةُ، وقعدتِ الأعضاءُ عن العبادةِ، وفي الخلوّ عن الطعامِ فوائدُ، وفي الامتلاءِ مفاسدُ، ففي الجوعِ صفاءُ القلبِ، وإيقادُ القريحةِ، ونفاذُ البصيرةِ، والشبعُ يورثُ البلادةَ، ويعمي القلبَ، ويكثرُ البخارَ في المعدةِ والدماغِ، كشبهِ السكرِ حتَّى يحتويَ على معادنِ الفكرِ، فيثقل القلبُ بسببهِ عن الجريانِ في الأفكارِ، ومنْ فوائدِه كسرُ شهوات المعاصي كلّها، والاستيلاءُ على النفسِ الأمارةِ بالسوءِ، فإنَّ منشأ المعاصي كلِّها الشهواتُ والقُوى، ومادةُ القُوى الشهواتُ، والشهواتُ [لا محالةَ] (٢) الأطعمةُ فتقليلُها يضعفُ كلَّ شهوةٍ وقوةٍ، وإنَّما السعادةُ كلُّها في أنْ يملكَ الرجلُ نفسَه، والشقاوةُ كلُّها في أنْ تملكَه نفسُه. قالَ ذُو النونِ (٣): ما شبعتُ قطُّ إلا عصيتُ، أو هممتُ بمعصيةٍ. وقالتْ عائشةُ (٤) - رضي الله عنها -: أولُ بدعةٍ حدثَتْ بعدَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الشبعُ، إنَّ القومَ لما شبعتْ بطونُهم جمحتْ بهم نفوسُهم إلى الدنيا. ويقالُ: الجوعُ خزانةٌ منْ خزائنِ الله تعالى، وأولُ ما يندفع بالجوعِ شهوةُ [الفرج] (٥)، وشهوةُ الكلامِ فإنَّ الجائعَ لا تتحركُ له شهوة فضولِ الكلامِ [فيتخلصُ] (٦) من آفاتِ اللسانِ، ولا تتحركُ عليهِ شهوةُ الفرجِ، فيتخلصُ منَ الوقوعِ في [الحرام] (٧). ومنْ فوائِده قِلَّةُ النومِ؛ فإنَّ مَنْ أكلَ كثيرًا شربَ كثيرًا، فنام طويلًا، وفي كثرةِ النومِ خسرانُ الداريْنِ، [وفواتُ] (٨) كلِّ منفعةٍ دينيةٍ ودنيوية. [وقد] (٩) عدَّ الغزاليُّ في الإحياءِ (١٠) عشرَ فوائدَ لتقليلِ الطعامِ، وعدَّ عشرَ مفاسدَ [للتوسعِ منهُ] (١١)، فلا ينبغي للعبدِ أن يعوِّدَ نفسَه ذلكَ، فإنَّها تميلُ بهِ


(١) ذكره الغزالي في "الإحياء" (٣/ ٨٤).
(٢) في (أ): "من".
(٣) ذكره الغزالي في "الإحياء" (٣/ ٨٦).
(٤) قال المنذري في "الترغيب والترهيب" رقم (٣١٦٢): "رواه البخاري في كتاب "الضعفاء"، وابن أبي الدنيا في كتاب "الجوع".
(٥) في (أ): "الجماع".
(٦) في (أ): "فيندفع ويتخلص".
(٧) في (أ): "المحظور".
(٨) في (أ): "فوت".
(٩) زيادة من (أ).
(١٠) (٣/ ٨٠ - ٨٩).
(١١) في (أ): "لتكثيره".