للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النداءِ، (إخْوانًا، الْمُسْلِمُ أَخو الْمُسْلِم، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ) بفتحِ حرفِ المضارَعَةِ، وسكونِ الحاءِ المهملةِ، وبالقافِ، فراءٍ. قالَ القاضي عياضٌ: ورواهُ بعضُهم: لا يُخفرُه بضمِّ الياءِ وبالخاءِ المعجمةِ وبالفاءِ، أي: لا يغدرُ بعهدِه ولا ينقضُ أمانه. قالَ: والصوابُ الأولُ: (التَّقْوَى هَاهُنَا ويشِيرُ إِلَي صَدْرِهِ ثَلاثِ مَراتٍ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المُسْلِمَ. كل الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرضُهُ. أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ). الحديثُ اشتملَ على أمورٍ نهَى عنْها الشارعُ.

الأولُ: التحاسدُ وهوَ تفاعلٌ يكونُ بينَ اثنينِ. فهو نَهَى عنْ حسد كلِّ واحدٍ منْهما صاحبَه منَ الجانبيْنِ، ويُعْلَمُ منهُ النَّهْيُ عن الحسدِ منْ جانب واحدٍ بطريقِ الأوْلَى، لأنهُ إذا نُهِيَ عنهُ معَ مَنْ يكافِئُه ويجازيهِ بحسدِه لا معَ أنهُ منْ بابِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (١)، فهوَ معَ عدمِ ذلكَ أوْلَى بالنَّهْي. وتقدَّمَ تحقيقُ الحسدِ.

الثاني: النَّهْيُ عن المناجشةِ [في البيعِ، وقد تقدم في كتاب] (٢) البيعِ، ووجْهُ النهي عنْها أنَّها منْ أسبابِ العداوةِ والبغضاءِ، وقدْ رُوِيَ بغيرِ هذَا اللفظِ في الموطأ (٣) بلفظِ: "ولا تنافسُوا" منَ المنافسةِ، وهيَ الرغبةُ في الشيءِ، ومحبةُ الانفرادِ بهِ. ويُقَالُ: نافستُ في الشيءِ منافسة ونَفَاسًا إذا رغبتُ فيهِ، والنَّهيُ [عنها] (٤) نهيٌ عن الرغبةِ في الدُّنيا وأسبابِها وحظوظِها [كما قال: يا خاطب الدنيا الدنيَّة إنها يسرك الرد وقراره الأوجه] (٥).

الثالث: النَّهيُ عن التباغضِ وهوَ تفاعلٌ، وفيه أما في "تحاسدُوا" منَ] (٦) النهيَ عن التقابلِ في المباغضةِ، والانفرادِ بها بالأولَى، وهوَ نهيٌ عنْ تعاطي أسبابِه، لأنَّ البغضَ لا يكونُ إلَّا عنْ سبب، [والنهي] (٧) متوجهٌ إلى [البغض] (٨) لغيرِ اللَّهِ تعالى، فأما ما كانتْ للهِ فهيَ واجبةٌ، فإنَّ البغضَ في اللَّهِ، والحبَّ في اللَّهِ منَ الإيمانِ، بلْ وردَ في الحديثِ حصرُ الإيمانِ عليهمَا.


(١) سورة الشورى: الآية ٤٠.
(٢) في (ب): "وتقدَّم تحقيقها في".
(٣) ٢/ ٩٠٧ - ٩٠٨ رقم ١٥).
(٤) في (أ): "هنا".
(٥) زيادة من (أ).
(٦) في (أ): "مبالغة في ".
(٧) في (ب): "والذم".
(٨) في (ب): "البغاضة".