للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القرآنُ. واختلفَ العُلماءُ في الموزونِ فقيلَ: الصحفُ لأنَّ الأعمالَ أعراضٌ فلا توصفُ بثقلٍ ولا خِفَّةٍ، ولحديثِ: السجلاتُ والبطاقةُ. وذهبَ أهلُ الحديثِ والمحقِّقونَ إلى أنَّ الموزونَ نفسُ الأعمالِ [حقيقة] (١)، وأنَّهَا تجسدُ في الآخرةِ، ويدلُّ لهُ حديثُ جابرٍ مرفُوعًا: "تُوضَعُ الموازينُ يومَ القيامةِ، فتوزنُ الحسناتُ والسيئاتُ، فمنْ ثقلتْ حسناتُه على سيئاتِه مثقالَ حبةٍ دخلَ الجنةَ، ومَنْ ثقلتْ سَيِّئَاتُهُ على حسناتِه مثقالَ حبةٍ دخلَ النارَ، قيلَ فمنِ استوتْ حسناتُه وسَيِّئَاتُهُ؟ قالَ: أولئكَ أصحابُ الأعرافِ" أخرجَهُ خيثمةُ (٢) في فوائدِه، وعندَ ابنِ المباركِ في الزهدِ (٣) عنِ ابنِ مسعودٍ نحوُه مرفُوعًا.

والأحاديثُ ظاهرةٌ أنَّ أعمالَ بني آدمَ توزنُ، وأنَّهُ عامٌّ لجميعِهم. وقالَ بعضُهم: إنهُ يخصُّ المؤمِنَ الذي لا سيئةَ لهُ ولهُ حسناتٌ كثيرةٌ زائدةٌ على محضِ الإيمانِ فيدخلُ الجنةَ بغيرِ حسابٍ كما جاءَ في حديثِ السبعينَ الألفِ. ويخصُّ منهُ الكافرَ الذي لا حسنةَ لهُ ولا ذنبَ لهُ غيرُ الكفرِ، فإنهُ يقعُ في النارِ بغيرِ حسابٍ ولا ميزانٍ. ونقلَ القرطبيُّ (٤) عنْ بعضِ العلماءِ أنهُ قالَ: الكافرُ مطلقًا لا ثوابَ لهُ، ولا توضعُ حسناتُه في الميزانِ لقولِه تعالَى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (٥)، ولحديث أبي هريرة (٦) في الصحيحِ: "الكافرُ لا يزنُ عندَ اللَّهِ جناحَ بعوضةٍ".

وأُجِيبَ: بأنَّ هذا مجاز عنْ حقارةِ قدْرهِ، ولا يلزمُ منهُ عدمُ الوزنِ، والصحيحُ أنَّ الكافرَ تُوزَنُ أعمالُه إلَّا أنهُ على وجهينِ، أحدِهما أنَّ كفرَهُ يوضَعُ في الكِفَّةِ ولا يجدُ حسنةً يضعُها في الأُخرى لبطلانِ الحسناتِ معَ الكفرِ فتطيشُ التي لا شيءَ فيها.


(١) زيادة من (أ).
(٢) عزاه إليه القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (٧/ ٢١١) بدون ذكر السند.
(٣) في "زوائد نعيم بن حماد" (رقم ٤١١)، بسند ضعيف جدًا لأن في سنده أبو بكر الهذلي من المتروكين.
(٤) في "الجامع لأحكام القرآن" (١١/ ٦٦).
(٥) سورة الكهف: الآية ١٠٥.
(٦) أخرجه البخاري رقم (٤٧٢٩)، ومسلم رقم (٢٧٨٥).