للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالَ القرطبيُّ (١): وهذا ظاهرُ قولِه تعالَى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} (٢)؛ فإنهُ وصفَ الميزانَ بالخِفَّةِ.

والثاني: أنهُ قدْ يقعُ منهُ العتقُ والبرُّ والصلةُ وسائرُ أنواعِ الخيرِ الماليةِ، مما لو فعلَها [المسلمُ] (٣) لكان لهُ حسناتٌ، فمنْ كانتْ لهُ جُمِعَتْ ووضُعِتْ في الميزانِ، غيرَ أنَّ الكفرَ إذا قابلَها رجَحَ بها. ويحتملُ أنَّ هذهِ الأعمالَ توازِنُ ما يقعُ منهُ منَ الأعمالِ السيئةِ كظلمِ غيرهِ، وأخْذِ مالِه، وقطعِ الطريقِ، فإنْ ساوتْها عُذِّبَ بالكفرِ، وإنْ زادتْ عُذِّبَ بما كانَ زَائِدًا على الكفرِ، وإنْ زادتْ أعمالُ الخيرِ معهُ طاحَ عقابُ سائِرِ المعاصي [وبقي عقابُ] (٤) الكفرِ كما جاءَ في حديثِ (٥) أبي طالبٍ أنهُ في ضَحْضَاحٍ منْ نارٍ.

اللَّهمَّ ثقِّلْ موازينَ حسناتِنا إذا وُزِنَتْ، وخفِّفْ موازينَ سيئاتِنا إذا [وضعت] (٦) في كفةِ الميزانِ وُضِعَتْ. واجعلْ سجلاتِ ذنوبِنا عندَ بطاقةِ توحيدِنا طائشةً منْ كفةِ الميزانِ، ووفقْنا بجعلِ كلمةِ التوحيدِ عندَ المماتِ آخرَ ما ينطقُ بهِ اللسانُ.

قدِ انتهَى بحمدِ وليِّ الإنعامِ ما قصدْناهُ منْ شرْحِ بلوغِ المرامِ (سبل


(١) في "التذكرة" في باب: (بيان كيفية الميزان ووزن الأعمال فيه ومن قضى لأخيه حاجة).
(٢) سورة الأعراف: الآية ٩، والمؤمنون: الآية ١٠٣.
(٣) في (أ): "المؤمن".
(٤) في (أ): "وعذب على الكفر".
(٥) • أخرج البخاري في "صحيحه" (٧/ ١٩٣ رقم ٣٨٨٥)، ومسلم في صحيحه رقم (٢١٠)، عن أبى سعيد الخدري -رضي الله عنه-أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-- وذكر عنده عمه أبو طالب فقال: لعلَّهُ تنفعُه شفاعتي يوم القيامة، يجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه أمُّ دماغه"، وفي رواية: "يغلي منه دماغه من حرارة نعليه".
• وأخرج البخاري في "صحيحه" (٧/ ١٩٣ رقم ٣٨٨٥)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٢٠٩) عن العباس -رضي الله عنه- قال: "قلت: يا رسول الله ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك، ويغضب لك؟ قال: نعم هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار".
• وفي رواية: "أنه كان يحوطك، وينصرك ويغضب لك فهل ينفعه ذلك؟ قال: نعم، وجدته في غمرات النار، فأخرجته إلى ضحضاح".
(٦) في (ب): "وزنت".