للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبي صالحٍ السمانِ قالَ: "رأيتُ أبا سعيدٍ الخُدريِّ في يومِ جُمعةٍ يُصلّي إلى شيءٍ يَسْترُه منَ الناسِ، فأرادَ شابٌّ منْ بنِي أبي مُعَيْطٍ أنْ يجتازَ بينَ يدِيه فدفعَهُ أبو سعيدٍ في صدرهِ، فنظرَ الشابُّ فلمْ يجدْ مَسَاغًا إلَّا بينَ يديهِ فعادَ ليجتازَ فدفعَهُ أبو سعيدٍ أشدَّ منَ الأولى - الحديثَ". وقيلَ يردهُ بأسهلِ الوجوهِ، فإنْ أَبَى فبأشدَّ، ولوْ أدَّى إلى قتلهِ، فإنْ قَتَلَهُ فلا شيءَ عليهِ؛ لأنَّ الشارعَ أباحَ قتلَهُ. والأمرُ في الحديثِ، وإنْ كانَ ظاهرُه الإيجابُ لكنْ قالَ النووي (١): لا أعلمُ أحدًا منَ الفقهاءِ قالَ بوجوبِ هذَا الدفعِ، بلْ صرحَ أصحابُنا بأنهُ مندوبٌ. ولكنْ قالَ المصنفُ: قدْ صرحَ بوجوبهِ أهلُ الظاهرِ، وفي قولهِ: (فإنَّما هوَ شيطانٌ) تعليل بأنَّ فعلَه فعلُ الشيطانِ في إرادةِ التشويشِ على المصلِّي، وفيهِ دلالة على جوازِ إطلاقِ لفظِ الشيطانِ على الإنسانِ الذي يريدُ إفسادَ صلاةِ المصلِّي وفِتْنَتِهِ في دينهِ كما قالَ تعالى: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} (٢). وقيلَ: المرادُ بأنَّ الحاملَ لهُ على ذلكَ شيطانٌ، ويدلُّ لهُ روايةُ مسلمٍ (٣): (فإنَّ معهُ القرينُ). وقدِ اختُلِفَ في الحكمةِ المقتضيةِ للأمرِ بالدفعِ فقيلَ: لدفعِ الإثم عن المارِّ، وقيلَ: [لدفعِ الخلل] (٤) الواقعِ بالمرورِ في الصلاةِ، وهذا الأرجحُ لأَنَّ عنايةَ المصلِّي بصيانةِ صلاتِهِ أهمّ منْ دفعهِ الإثمَ عنْ غيرِه.

قلتُ: ولو قيلَ: إنهُ لهما معًا لما بَعُدَ فيكونُ لدفعِ الإثمِ عن المارِّ الذي أفادهُ حديثُ: "لو يعلمُ المارُّ" (٥)، ولصيانةِ الصلاةِ عن النقصانِ مِنْ أجرِها، فقدْ أخرجَ أبو نعيم (٦) عنْ عمرَ: "لو يعلمَ المصلي ما ينقصُ منْ صلاتِهِ بالمرورِ بينَ يديهِ ما صلَّى إلَّا إلى شيءٍ يسترهُ مِنَ الناسِ". وأخرجَ ابنُ أبي شيبةَ (٧)


(١) في "شرحه لصحيح مسلم" (٤/ ٢٢٣).
(٢) سورة الأنعام: الآية ١١٢.
(٣) المتقدمة (رقم: ٢٦٠/ ٥٠٦) من حديث ابن عمر.
(٤) في (أ): "للخلل".
(٥) أخرجه مالك (١/ ١٥٤ رقم ٣٤)، والبخاري (٥١٠)، ومسلم (٢٦١/ ٥٠٧)، وأبو داود (٧٠١)، والترمذي (٢٣٦)، والنسائي (٢/ ٦٦)، وابن ماجه (٩٤٥) من حديث أبي الجهم.
(٦) عزاه إليه ابن حجر في "الفتح" (١/ ٥٨٤).
(٧) في "المصنف" (١/ ٢٨٢).
وقال ابن حجر في "الفتح": "فهذان الأثران - أي أثر عمر وابن مسعود - مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلي، ولا يختص بالمار، وهما وإن كانا موقوفين لفظًا فحكمهما حكم الرفع، لأن مثلهما لا يقال بالرأي" اهـ.