للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حديثٍ أبي سعيدٍ الساعدي في بابِ صفةِ الصلاةِ بلفظِ: "واستقبل بأصابعِ رجليهِ القبلةَ". هذا والحديثُ دليلٌ على وجوبِ السجودِ على ما ذُكِرَ؛ لأنهُ ذكرهُ - صلى الله عليه وسلم - بلفظِ الإخبارِ عنْ أمرٍ اللَّهِ لهُ، أوْ لَهُ ولأُمَّتِهِ، والأمرُ لا يردُّ إلَّا بنحوِ صيغةِ أفعلُ، وهي تفيدُ الوجوبَ. وقدِ اختُلِفَ في ذلكَ، فالهادويةُ، وأحدُ قوليْ الشافعيِّ أنهُ للوجوبِ لهذا الحديثِ. وذهبَ أبو حنيفةَ إلى أنهُ يجزئُ السجودُ على الأنفِ فقطْ مستدلًا بقولهِ: "وأشارَ بيدهِ إلى أنفهِ". قالَ المصنفُ في فتحِ الباري (١): قدِ احْتُجَّ لأبي حنيفة بهذَا في السجودِ على الأنفِ، قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ (٢): والحقُّ أَنَّ مثلَ هذَا لا يعارضُ التصريحَ بالجبهةِ، وإنْ أمكنَ أنْ يعتقدَ أنَّهما كعضوٍ واحدٍ، فذلكَ في التسميةِ والعبارةِ، لا في الحكمِ الذي دلَّ عليهِ أنتهى. واعلمْ أنهُ وقعَ هنا في الشرحِ أنهُ ذهبَ أبو حنيفةَ، وأحدُ قولي الشافعيِّ، وأكثرُ الفقهاءِ إلى أنَّ الواجبَ الجبهةُ فقطْ لقولهِ - صلى الله عليه وسلم - في حديث المسيءِ صلاتِهِ: " [ومكِّنْ] (٣) جبهتكَ"؛ فكانَ قرينةً على حملِ الأمرِ هنا على غيرِ الوجوبِ. وأجيبَ عنهُ بأنَّ هذَا لا يتمُّ إلَّا بعدَ معرفةِ تقدمِ هذَا على حديثٍ المسيءِ صلاتِهِ، ليكونَ قرينةً على حملِ الأمرِ على الندبِ. وأما لو فرضَ تأخرُهُ لكانَ في هذا زيادةُ شرعٍ ويمكنُ أنْ تتأخرَ شرعيتُه، ومعَ جهلِ التاريخِ يرجحُ العملُ بالموجبِ لزيادةِ الاحتياطِ، كذا قالهُ الشارحُ، وجعلَ السجودَ على الجبهةِ والأنفِ مَذْهبًا للعترةِ، فحولنَا عبارتَه إلى الهادوية معَ أنهُ ليس مذهبهم إلا السجودُ على الجبهةِ فقطْ كما في البحرِ (٤) وغيرِه (٥)، ولفظُ الشرحِ هنَا: والحديثُ فيهِ دلالةٌ على وجوبِ السجودِ على ما ذكر فيهِ. وقد ذهبَ إلى هذا العترةُ وأحدُ قوليْ الشافعيِّ انتهِى. وعرفتَ أنهُ وَهِمَ في قولهِ: إنَّ أبا حنيفةَ يوجبهُ على الجبهةِ؛ فإنهُ يجيزُهُ عليْها أو على الأنفِ، وأنهُ مخيَّر في ذلكَ. هذا الذي في الشرح، والذي في البحر أنهُ يقول أبو حنيفة أيهما سجد أجزأه لأنهما عضو واحدةٌ انتهى. فجعل الخلاف بأبي حنيفة وحده دون أصحابه، وفي عيون المذاهب للطحاوي أن أبا حنيفة يقول لو اقتصر على الأنف


(١) (٢/ ٢٩٦).
(٢) في "إحكام الأحكام" (١/ ٢٢٤).
(٣) في (ب): "تمكن".
(٤) (١/ ٢٦٦ - ٢٦٧ و ٢٦٨).
(٥) "كالتاج المذهب" (١/ ٩٢).