للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لمْ يأمرْهُ بالسلامِ، وأجيبَ [عنهُ] (١) بأنَّ حديثَ ابن عمرٍو ضعيفٌ باتفاقِ الحفَّاظِ؛ فإنهُ أخرجهُ الترمذيُّ (٢) وقالَ: هذا حديثٌ إسنادُهُ ليسَ بذاكَ القويِّ، وقدِ اضطَّربُوا في إسنادهِ. وحديثُ المسيءِ صلاتُهُ لا ينافي الوجوبَ؛ فإنَّ هذهِ زيادةٌ وهيَ مقبولةٌ، والاستدلالُ بقولهِ تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (٣) على عدمِ وجوبِ السلامِ استدلالٌ غيرُ تامٍّ؛ لأنَّ الآيةَ مجملةٌ بيَّنَ المطلوبَ منهَا فعلُهُ - صلى الله عليه وسلم -، ولوْ عملَ بها وحدَها لما وجبتِ القراءةُ ولا غيرُها. ودلَّ الحديثُ على وجوبِ التسليمِ على اليمينِ واليسارِ، وإليهِ ذهبتِ الهادويةُ وجماعةٌ. وذهبَ الشافعيُّ إلى أن الواجبَ تسليمةٌ واحدةٌ والثانيةُ مسنونةٌ.

قالَ النوويُّ (٤): أجمعَ العلماءُ الذينَ يعتدُّ بهمْ [على] (٥) أنهُ لا يجبُ إلا تسليمةٌ واحدةٌ؛ فإنِ اقتصرَ عليها استُحِبَّ لهُ أنْ يسلِّمَ تلقاءَ وجههِ، فإنْ سلَّمَ تسليمتينِ جعلَ الأُولى عنْ يمينهِ والثانيةَ عنْ يسارهِ، ولعلَّ حجةَ الشافعيِّ حديثُ عائشةَ: "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا أوترَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا في الثامِنَةِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ، وَيَذْكُرُهُ، وَيَدْعُو، ثمَّ يَنْهَضُ ولا يُسلِّمَ، ثمَّ يصلِّي التاسِعَةَ فيجلس ويذكُرُ اللَّهَ ويدعُو ثمَّ يسلِّمُ تسليمةً"، أخرجهُ ابنُ حبانَ (٦)، وإسنادهُ على شرطِ مسلمٍ. وأجيبَ عنهُ بأنهُ لا يعارضُ حديثَ الزيادةِ كما عرفتَ منْ قبولِ الزيادةِ إذا كانتْ منْ عدلٍ، وعندَ مالكٍ أن المسنونَ تسليمةٌ واحدةٌ، وقدْ بيَّنَ ابنُ عبدِ البرِّ ضَعْفَ أدلةِ هذا القولِ منَ الأحاديثِ. واستدلَّ المالكيةُ على كفايةِ التسليمةِ الواحدةِ بعملِ أهلِ المدينةِ، وهوَ عملٌ توارثوهُ كابرًا عنْ كابرٍ. وأجيبُ عنهُ بأنهُ قدْ تقررَ في الأصولِ أن عَملَهم ليسَ بحجةٍ. وقولُه: (عنْ يمينِهِ وعنْ شمالِهِ) أي منحَرفًا إلى الجهتينِ؛ بحيثُ يُرَى بياضُ خدِّهِ كما وردَ في روايةِ سعدٍ: "رأيتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سلم عنْ يمينهِ وعنْ شمالهِ حتَّى كأني أنظرُ إلى صفحةِ خدِّه"، وفي لفظٍ: "حتَّى أَرَى بياضَ خدِّهِ"، أخرجهُ مسلمٌ (٧) والنسائيُّ (٨).


(١) زيادة من (ب).
(٢) في "السنن" (٢/ ٢٦١ رقم ٤٠٨).
(٣) سورة الحج: الآية ٧٧.
(٤) في "المجموع" (٣/ ٤٨٢).
(٥) زيادة من (أ).
(٦) في "الإحسان" (٤/ ٧٢ رقم ٢٤٣٣) بإسناد صحيح.
وانظر: "مسند الموصلي" (٨/ ١١٠ رقم ٤٦٥٠) لتمام تخريجه والتعليق عليه.
(٧) في "صحيحه" (رقم ١١٩/ ٥٨٢).
(٨) في "السنن" (٣/ ٦١)، وقد تقدم تخريجه قريبًا.