للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حجةٌ على مَنْ قالَ: إنَّ العاجزَ عن القعود تسقطُ عنهُ الصلاةُ، وهوَ يدلُّ على أن مَنْ نالتْهُ مشقةٌ ولو بالتألم [يباح] (١) لهُ الصلاةُ منْ قعودٍ، وفيهِ خلافٌ. والحديثُ مَعَ مَنْ قالَ إنَّ التألمَ يبيحُ ذلكَ، ومِنَ المشقةِ صلاةُ مَنْ يخافُ دورانَ رأسِهِ إنْ صلَّى قائمًا في السفينةِ، أوْ يخافُ الغرقَ أبيحَ لهُ القعودُ. هذَا ولمْ يبينِ الحديثُ هيئةَ القعودِ على أي صفةٍ، ومقتضَى صحتُهُ على أي هيئةٍ شاءَها المصلِّي، وإليهِ ذهبَ جماعةٌ منَ العلماءِ. وقالَ الهادي وغيرُهُ: إنهُ يتربعُ واضعًا يدَهُ على رُكبتيْهِ، ومثلُه عندَ الحنفيةِ، وذهبَ زيدُ بنُ عليٍّ وجماعةٌ إلى أنهُ مثلُ قعودِ التشهدِ. قيلَ: والخلافُ في الأفضلِ. قالَ المصنفُ في فتحِ الباري (٢): اخْتُلِفَ في الأفضلِ؛ فعندَ الأئمةِ الثلاثةِ التربعُ وقيل: مفترشًا، وقيل: متورِّكًا، وفي كلِّ منْها أحاديثُ. وقولُهُ في الحديثِ: [فعلى] (٣) جنبٍ، الكلامُ في الاستطاعةِ هنا كما مرَّ، وهوَ هنا مطلقٌ، وقيَّدَهَ [في] (٤) حديثِ عليٍّ - عليه السلام - عندَ الدارقطنيُّ (٥) على جنبهِ الأيمنِ مستقبلَ القبلةِ بوجههِ، وهوَ حجةُ الجمهورِ، وأنهُ يكونُ على هذهِ الصفةِ كتوجُّهِ الميتِ في القبرِ، ويؤخذُ منَ الحديثِ أنهُ لا يجبُ شيءٌ بعدَ تعذرِ الإيماءِ [على الجنبِ] (٦). وعنِ الشافعيِّ والمؤيدِ: يجب الإيماءُ بالعينينِ والحاجبينِ، وعن زفرَ: الإيماءُ بالقلبِ. وقيلَ: يجبُ إمرارُ القرآنِ والذكرِ على اللسانِ، ثمَّ على القلبِ، إلَّا أن هذهِ [الكلمة لم تأت] (٧) في الأحاديث، وفي الآية: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (٨)، وإنْ كانَ عدمُ الذكرِ لا ينفي الوجوبَ بدليلٍ آخر وقدْ وجبتِ الصلاةُ على الإطلاقِ وثبتَ: "إذا أُمِرْتمْ بأمرٍ فأتوا منهُ ما استطعتُم" (٩)؛ فإذا استطاعَ شيئًا مما يفعلُ في الصلاةِ وجبَ عليهِ لأنهُ مستطيعٌ لهُ.


(١) في (أ): "أبيح".
(٢) (٢/ ٥٨٦).
(٣) في (ب): "على".
(٤) زيادة من (ب).
(٥) في "السنن" (٢/ ٤٢ - ٤٣ رقم ١)، وهو حديث ضعيف، وقد تقدم قريبًا.
(٦) زيادة من (ب).
(٧) في (أ): "كلمة لم يأت".
(٨) سورة النساء: الآية ١٠٣.
(٩) أخرجه البخاري (رقم ٦٨٥٨ - البغا)، ومسلم (رقم ٤١٢/ ١٣٣٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.