للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في [هذا] (١) الحديثِ دليلٌ على وجوبِ القصرِ في السفرِ؛ لأنَّ فرضتْ بمعنى وَجَبَتْ، ووجوبُهُ مذهبُ الهادويةِ والحنفيةِ وغيرِهم (٢)، وقالَ الشافعيُّ وجماعةٌ (٣): إنهُ رخصةٌ والتمامُ أفضلُ، وقالُوا: فرضتْ بمعنَى قُدِّرَتْ أو فرضتْ لمن أرادَ القصرَ، واستدلُّوا بقولهِ تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (٤)، وبأنهُ سافرَ أصحابُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - معهُ فمنهم من يقصرُ، ومنهم يتمُّ، ولا يعيبُ بعضُهم على بعضٍ، وبأنَّ عثمانَ كانَ يتمُّ وكذلكَ عائشةُ، أخرجَ ذلك مسلمٌ (٥)، ورُدَّ بأنَّ هذهِ أفعالُ [صحابة] (٦) لا حجّةَ فيها، وبأنهُ أخرجَ الطبرانيُّ في الصغيرِ (٧) من حديثٍ ابن عمرَ موقوفًا: "صلاةُ السفرِ ركعتانِ [نَزَلَتَا] (٨) منَ السماءِ، فإنْ شئتمْ فردُّوهما". قالَ الهيثميُّ (٩): رجالُهُ موثوقونَ، وهوَ توقيفٌ إذْ لا مسرحَ فيهِ للاجتهادِ، وأخرجَ أيضًا عنهُ في الكبيرِ (١٠) برجالِ الصحيحِ: "صلاةُ السفرِ ركعتانِ مَنْ خالفَ السنةَ كفرَ".

وفي قولهِ: "السنةُ" دليلٌ على رفعهِ كما هوَ معروفٌ. قالَ ابنُ القيمِ في الهدي النبويّ (١١): كانَ يقصرُ - صلى الله عليه وسلم - الرباعية (١٢) فيصليها ركعتينِ من حينِ يخرجُ مسافرًا إلى أنْ يرجعَ إلى المدينةِ، ولم يثبتْ عنهُ أنهُ أتمَّ الرباعيةَ في السفر البتّة، وفي قولِها: "إلَّا المغربَ"، دلالةٌ على أنَّ شرعيتَها في الأصل ثلاثًا لم تتغيرْ، وقولَها: "إنَّها وترُ النهارِ"، أي: صلاةُ النهارِ كانت شفعًا والمغربُ آخرُها لوقوعِها في آخرِ جزءٍ منَ النهارِ فهيَ وترٌ لصلاةِ النهارِ كما أنهُ شرعَ الوترُ لصلاةِ الليلِ، والوترُ محبوبٌ إلى اللهِ تعالى كما تقدمَ في الحديث: "إنَّ الله وترٌ يحبُّ


(١) زيادة من (أ).
(٢) انظر: "الروض النضير" للسياغي (٢/ ٣٥٦)، و"التاج المذهب" للعنسي (١/ ١٤٢).
(٣) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ١٢٠ - ١٢١).
(٤) سورة النساء: الآية ١٠١.
(٥) في "صحيحه" (١/ ٤٧٨ رقم ٣/ ٦٨٥).
(٦) في (أ): "الصحابة".
(٧) (٢/ ١٨٤ رقم ٩٩٧ - الروض الداني).
(٨) في (ب): "نزلًا".
(٩) في "مجمع الزوائد" (٢/ ١٥٤).
(١٠) كما في "المجمع" (٢/ ١٥٤ - ١٥٥) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
(١١) (١/ ٤٦٤).
(١٢) هنا جملة زائدة من (أ)، وهي: "في السفر البتة".