للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عابَ عليَّ". قال ابنُ القيمِ (١): وقد رُويَ: "كان يقصرُ وتتمُّ"، الأول بالياءِ آخرِ الحروفِ، والثاني بالمثناةِ من فوقِ، وكذلكَ يفطرُ وتصومُ، أي: تأخذ هي بالعزيمةِ في الموضعينِ. قالَ شيخُنا ابنُ تيميةَ: وهذا باطلٌ، ما كانت أمُّ المؤمنينَ لتخالفَ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وجميعَ أصحابه فتصلِّي خلافَ صلاتِهم. وفي الصحيحِ (٢) عنها: "إنَّ اللَّهَ فرضَ الصلاةَ ركعتينِ ركعتينِ، فلمَّا هاجرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينةِ زِيدَ في صلاةِ الحضرِ، وأُقِرَّتْ صلاةُ السفرِ"، فكيفَ يُظَنُّ بها معَ ذلكَ أنَّها تصلِّي خلافَ صلاتِهِ وصلاةِ المسلمين مَعهُ. قلتُ: وقد أتمّتْ عائشةُ بعدَ موتِهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ ابنُ عباسٍ وغيرُه: إنَّها تأوَّلتْ كما تأوّلَ عثمانُ. انتهَى.

هذا وحديثُ البابِ قد اختُلِفَ في اتصالهِ، فإنهُ مِنْ روايةِ عبدِ الرحمنِ بن الأسودِ عن عائشةَ، قال الدارقطنيُّ (٣): إنهُ أدركَ عائشةَ وهوَ مراهقٌ، قال المصنفُ رحمه الله: هوَ كما قال، ففي تاريخِ البخاري (٤) وغيرهِ ما يشهدُ لذلكَ، وقال أبو حاتمٍ (٥): أُدخلَ عليها وهوَ صغيرٌ ولم يسمعْ منها، وادَّعى ابنُ أبي شيبةَ والطحاويُّ ثبوتَ سماعهِ منها، واختلفَ قولُ الدارقطنيِّ في الحديثِ، فقالَ في السنن: إسنادهُ حسنٌ، وقال في العللِ: المرسلُ أشبهُ. هذا كلامُ المصنفِ ونقلَه الشارحُ، وراجعتُ سننَ الدارقطنيّ فساقه الدارقطني، وقال: إنهُ صحيحٌ، ثمَّ فيهِ العلاءُ بنُ زهيرٍ، وقال الذهبي في الميزانِ (٦): وثقهُ ابنُ معينٍ، وقال ابن حبانَ (٧): كانَ ممنْ يروي عن الثقاتِ مما لا يشبهُ حديثَ الأثباتِ، انتهى. فبطلَ الاحتجاجُ بهِ فيما لم يوافقِ الأثباتَ، وبطلَ بهذا ادّعاءُ ابن حزم جهالتَه، فقد عُرفَ عينًا وحالًا.

وقال ابنُ القيم (٨) بعدَ روايتهِ لحديثِ عائشةَ هذا ما لفظُه: وسمعتُ شيخَ الإسلام يقول: وهذا كذبٌ على رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، انتهى. يريدُ روايةَ: "يقصرُ


(١) "زاد المعاد" (١/ ٤٦٥).
(٢) تقدم تخريجه (١/ ٣٩٩).
(٣) في "السنن" (٢/ ١٨٨ رقم ٣٩، ٤٠).
(٤) (٥/ ٢٥٢ - ٢٥٣).
(٥) في "المراسيل" (ص ١٢٩ رقم ٤٦٤)، وأما في "الجرح والتعديل" (٥/ ٢٠٩ رقم ٩٨٦) لم يذكر قوله: ولم يسمع منها.
(٦) (٣/ ١٠١ رقم ٥٧٣١).
(٧) في "المجروحين" (٢/ ١٨٣).
(٨) في "زاد المعاد" (١/ ٤٧٢).