للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي الحديثِ دليلٌ على أنهُ يستحبُّ للخطيبِ أنْ يرفعَ بالخطبةِ صوتَه، ويجزلَ كلامَهُ، ويأتي بجوامعِ الكلم منَ الترغيبَ والترهيبَ، ويأتي بقول: (أما بعدُ)، وقد عقدَ البخاريُّ بابًا في استحبابِها (١)، وذكرَ فيهِ جملةً منَ الأحاديثِ، وقد جمعَ الرواياتِ التي فيها ذكرُ "أما بعدُ" لبعضِ المحدِّثينَ، وأخرجَها عن اثنينِ وثلاثينَ صحابيًا، وظاهرهُ أنهُ كانَ - صلى الله عليه وسلم - يلازمُها في جميعِ خُطَبِهِ، وذلكَ بعدَ حمدِ اللَّهِ والثناءِ [عليه] (٢) والتشهُّدِ، كما تفيدُه الروايةُ المشارُ إليها بقولهِ: (وفي روايةٍ له)، أي: لمسلمٍ عن جابرِ بن عبدِ اللَّهِ: (كانت خطبة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ الجمعةِ، يحمدُ اللَّهَ ويثني عليهِ، ثمَّ يقولُ على أثر ذلكَ وقد علا صوتُه) حذفَ المقولَ اتّكالًا على ما تقدمَ، وهوَ قولُهُ: "أما بعدُ، فإنَّ خيرَ الحديثِ" إلى آخرهِ [ما تقدمَ] (٣)، ولم يذكرِ الشهادةَ اختصارًا لثبوتِها في غيرِ هذهِ الروايةِ، فقد ثبتَ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "كلُّ خُطْبَةٍ ليسَ فيها تشهُّدٌ فهي كاليد الجذماءِ" (٤)، وفي "دلائلُ النبوةِ" للبيهقي (٥) من حديثِ أبي هريرةَ مرفوعًا حكايةً عن اللَّهِ عزَّ وجلَّ: "وجعلتُ أمَّتَكَ لا يجوزُ لهم خطبةٌ حتَّى يشهدُوا أنكَّ عبدي ورسولي"، وكانَ يذكرُ في تشهدهِ نفسَه باسمِهِ العَلَمِ.

(وفي رواية لهُ) أي: لمسلم عن جابر: (من يهدِ اللَّهُ فلا مضلَّ لهُ، ومن يضللْ فلا هاديَ له) أي: أنهُ يأتي بهذهِ الألفاظِ بعدَ "أما بعدُ"، (وللنسائيِّ) أي: عن جابرٍ: (وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ) أي: بعد قولِه: "كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ" كما هوَ في النسائي، واختصرهُ المصنفُ، والمرادُ صاحبُها.

وكانَ يعلمُ أصحابهُ في خطبتهِ قواعدَ الإسلامِ وشرائعَه، ويأمرُهم وينهاهُمْ


(١) (٢/ ٤٠٢ رقم الباب ٢٩)، وذكر جملة من الأحاديث رقم (٩٢٢، ٩٢٣، ٩٢٤، ٩٢٥، ٩٢٦، ٩٢٧).
(٢) زيادة من (أ).
(٣) زيادة من (ب).
(٤) وهو حديث صحيح.
أخرجه أحمد (٢/ ٣٠٢ و ٣٤٣)، وأبو داود (٤٨٤١)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (٧/ ٢٢٩)، وأبو نعيم في "الحلية" (٩/ ٤٣)، الترمذي (١١٠٦) من طرق عن أبي هريرة.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
(٥) لم أعثر عليه!.