يستعمل العبرة، ولا يسكن إلى الثقة، فهو كالدرهم القسيّ «١» والسراب الخادع، جذل الظاهر، حزين الباطن، فإذا وجبت نفسه، ونصب عمره، وضحا ظله، حاسبه الله، فأشدّ حسابه، وأقلّ عفوه. ألا وإن الفقراء هم المرحومون! ألا إن من آمن بالله حكم بكتابه وسنّة نبيه صلّى الله عليه وسلم وإنكم اليوم على خلافة نبوة، ومفرق محجة، وسترون بعدي ملكا عضوضا، «٢» وملكا عنودا، وأمة شعاعا، ودما مباحا؛ فإن كانت للباطل نزوة، ولأهل الحق جولة، يعفو لها الأثر، ويموت لها الخبر، فالزموا المساجد، واستشيروا القرآن واعتصموا بالطاعة، وليكن الإبرام بعد التشاور، والصفقة بعد طول التناظر، أي بلاد خرشنة «٣» إن الله سيفتح لكم أقصاها كما فتح عليكم أدناها.
وخطب أيضا فقال:
الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأستغفره وأومن به، وأتوكل عليه وأستهدي الله بالهدى، وأعوذ به من الضلالة والردى، ومن الشك والعمى؛ من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون- إلى الناس كافة، رحمة لهم وحجة عليهم، والناس حينئذ على شر حال في ظلمات الجاهلية، دينهم بدعة، ودعوتهم فرية، فأعز الله الدين بمحمد صلّى الله عليه وسلم، وألف بين قلوبكم أيها المؤمنون، فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم عى شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون؛ فأطيعوا الله ورسوله، فإنه قال عز وجل: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ، وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً
«٤» .
أما بعد أيها الناس: إني أوصيكم بتقوى الله العظيم في كل أمر وعلى كل حال