للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآخر المرسلين، أمّا بعد؛ فإنّ الله بعث محمدا عليه الصلاة والسلام إلى الثقلين كافة، والناس في اختلاف، والعرب بشرّ المنازل، مستضيئون للثاءات «١» بعضهم على بعض، فرأب الله به الثّأي، ولأم به الصدع، ورتق به الفتق، وأمّن به السبل، وحقن به الدماء، وقطع به العداوة الواغرة للقلوب، والضغائن المخشنة للصدور؛ ثم قبضه الله عز وجل مشكورا سعيه، مرضيّا عمله، مغفورا ذنبه، كريما عند ربه نزله؛ فيا لها مصيبة عمّت المسلمين، وخصّت الأقربين؛ وولى أبو بكر، فسار بسيرة رضيها المسلمون؛ ثم ولى عمر، فسار بسيرة أبي بكر رضي الله عنهما؛ ثم ولي عثمان، فنال منكم ونلتم منه، حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموه فقتلتموه، ثم أتيتموني فقلتم لي: بايعنا! فقلت لكم:

لا أفعل! وقبضت يدي فبسطتموها، ونازعتم كفي فجذبتموها، وقلتم: لا نرضى إلا بك، ولا نجتمع إلا عليك! وتداككتم «٢» عليّ تداكك الإبل الهيم «٣» على حياضها يوم ورودها، حتى ظننت أنكم قاتلي، وأن بعضكم قاتل بعض؛ فبايعتموني، وبايعني طلحة والزبير، ثم ما لبثا أن استأذناني للعمرة فسارا إلى البصرة فقتلا بها المسلمين وفعلا الأفاعيل، وهما يعلمان والله أني لست بدون واحد ممن مضى، ولو أشاء أن أقول لقلت؛ اللهم إنهما قطعا قرابتي، ونكثا بيعتي، وألبا عليّ عدوّي؛ اللهم فلا تحكم لهما ما أبرما، وأرهما المساءة فيما عملا وأملا! ومما حفظ عنه بالكوفة على المنبر: قال نافع بن كليب: دخلت الكوفة للتسليم على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فإني لجالس تحت منبره، وعليه عمامة سوداء، وهو يقول: انظروا هذه الحكومة، فمن دعا إليها فاقتلوه وإن كان تحت عمامتي هذه! فقال له عدي بن حاتم: قلت لنا أمس: من أبى عنها فاقتلوه. وتقول لنا اليوم: من دعا إليها فاقتلوه! والله ما ندري ما نصع بك؟ وقام إليه رجل أحدب من أهل العراق فقال: أمرت بها أمس وتنهى عنها اليوم، فأنت كما قال الأول: آكلك وأنا أعلم ما أنت. فقال علي: إلي يقال هذا.