للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أنه لا يجوز في الرسائل استعمال ما أتت به آي القرآن من الاختصار والحذف، ومخاطبة الخاص بالعام والعام بالخاص؛ لأن الله جل ثناؤه [إنما] خاطب بالقرآن قوما فصحاء فهموا عنه- جل ثناؤه- أمره ونهيه ومراده؛ والرسائل إنما يخاطب بها أقوام دخلاء على اللغة، لا علم لهم بلسان العرب.

وكذلك ينبغي للكاتب أن يجتنب اللفظ المشترك، والمعنى الملتبس؛ فإنه إن ذهب يكاتب على مثل معنى قول الله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها

«١» ، وكقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ

»

، احتاج الكاتب أن يبيّن معناه: اسأل أهل القرية وأهل العير، وبل مكركم بالليل والنهار، ومثل هذا كثير لا يتسع الكتاب لذكره.

وكذلك لا يجوز أيضا في الرسائل والبلاغات المنثورة ما يجوز في الأشعار الموزونة؛ لأن الشاعر مضطر، والشعر مقصور مقيّد بالوزن والقوافي؛ فلذلك أجازوا لهم صرف ما لا ينصرف من الأسماء، وحذف ما لا يحذف منها؛ واغتفروا فيه سوء النظم، وأجازوا فيه التقديم والتأخير، والإضمار في موضع الإظهار؛ وذلك كله غير سائغ في الرسائل، ولا جائز في الملاغات، فمّما أجيز في الشعر من الحذف مثل قول الشاعر:

قواطنا مكّة من ورق الحما

يعني الحمام؛ وقول الآخر:

صفر الوشاحين صموت الخلخل

يريد الخلخال؛ وكقول الآخر:

دار لسلمى إذه من هواكا