مرزئة مال بلغك أني رزأته «١» أهل هذه البلاد، وأيم الله لأن ألقى الله بما في بطن هذه الأرض من عقيانها «٢» ومخبئها، وبما على ظهرها من طلاعها «٣» ذهبا، أحبّ إليّ من أن ألقى الله وقد سفكت دماء هذه الأمة لأنال بذلك الملك والإمرة. ابعث إلى عملك من أحببت، فإني ظاعن، والسلام.
فلما أراد عبد الله المسير من البصرة دعا أخواله بني هلال بن عامر بن صعصعة ليمنعوه، فجاء الضحاك بن عبد الله الهلالي فأجاره، ومعه رجل منهم يقال له عبد الله بن رزين، وكان شجاعا بئيسا «٤» ؛ فقالت بنو هلال: لا غنى بنا عن هوازن فقالت هوازن: لا غنى بنا عن سليم. ثم أتتهم قيس، فلما رأى اجتماعهم له حمل ما كان في بيت مال البصرة، وكان فيما زعموا ستة آلاف ألف، فجعله في الغرائر.
قال: فحدثني الأزرق اليشكري، قال: سمعت أشياخنا من أهل البصرة قالوا: لما وضع المال في الغرائر ثم مضى به، تبعته الأخماس كلها بالطفّ «٥» ، على أربعة فراسخ من البصرة، فواقفوه، فقالت لهم قيس: والله لا تصلون إليه ومنا عين تطرف. فقال صبرة [بن شيمان] ، وكان رأس الأزد: والله إن قيسا لإخوتنا في الإسلام، وجيراننا في الدار، وأعواننا على العدوّ وإن الذي تذهبون به من المال لو ردّ عليكم لكان نصيبكم منه الأقلّ، وهو [غدا] خير لكم من المال. قالوا: فما ترى؟ قال:
انصرفوا عنهم.
فقال بكر بن وائل وعبد القيس: نعم الرأي رأي صبرة واعتزلوهم.
فقالت بنو تميم: والله لا نفارقهم حتى نقاتلهم عليه. فقال الأحنف بن قيس: أنتم والله أحق أن لا تقاتلوهم عليه، وقد ترك قتالهم من هو أبعد منكم رحما! قالوا:
والله لنقاتلنهم! فقال: والله لا أساعدكم على قتالهم. وانصرف عنهم.