ولما قتل مصعب خرجت سكينة بنت الحسين تريد المدينة، فأطاف بها أهل العراق، وقالوا: أحسن الله صحابتك يا أبنة رسول الله! فقالت: لا جزاكم الله عني خيرا، ولا أخلف عليكم بخير من أهل بلد! قتلتم أبي وجدّي وعمي وزوجي! أيتمتموني صغيرة، وأرملتموني كبيرة! ولما بلغ عبد الله بن الزبير قتل مصعب، صعد المنبر فجلس عليه، ثم سكت فجعل لونه يحمّر مرة ويصفرّ مرة؛ فقال رجل من قريش لرجل إلى جنبه: ماله لا يتكلم، فو الله إنه للخطيب اللبيب. فقال له الرجل: لعله يريد أن يذكر مقتل سيّد العرب فيشتدّ ذلك عليه، وغير ملوم! ثم تكلم فقال:
الحمد لله الذي له الخلق والأمر، و [ملك] الدنيا والآخرة يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء «١» .
أمّا بعد: فإنه لم يعزّ من كان الباطل معه ولو كان معه الأنام طراّ، ولم يذلّ من كان الحقّ معه ولو كان فردا؛ ألا وإنّ خبرا من العراق أتانا فأحزننا وأفرحنا؛ فأمّا الذي أحزننا؛ فإن لفراق الحميم لوعة يجدها حميمه، ثم يرعوي ذوو الألباب إلى الصبر وكريم الأجر، وأمّا الذي أفرحنا فإن قتل مصعب له شهادة ولنا ذخيرة.
أسلمه الطّغام»
، الصم الآذان، أهل العراق، وباعوه بأقل من الثمن الذي كانوا يأخذون منه، فإن يقتل فقد قتل أخوه وأبوه وابن عمه، وكانوا الخيار الصالحين؛ إنّا والله لا نموت حتف «٣» أنوفنا كما يموت بنو مروان، ولكن قعصا «٤» بالرماح وموتا تحت ظلال السيوف، فإن تقبل الدنيا عليّ لم آخذها مأخذ الأشر «٥» البطر «٦» ، وإن تدبر عني لم أبك عليها بكاء الخرف الزائل العقل.