هذا أمر لم أشهد أوله، ولا علم لي بآخره؛ وقد قال أمير المؤمنين ما بلغكم، وشهد الشهود بما سمعتم؛ فالحمد لله الذي رفع منا ما وضع الناس وحفظ منا ما ضيّعوا؛ وأما عبيد فإنما هو والد مبرور، أو ربيب «١» مشكور، ثم جلس.
وقال زياد: ما هجيت ببيت قطّ أشدّ عليّ من قول الشاعر:
فكّر ففي ذاك إن فكّرت معتبر ... هل نلت مكرمة إلا بتأمير
عاشت سميّة ما عاشت وما علمت ... أنّ ابنها من قريش في الجماهير
سبحان من ملك عبّاد بقدرته ... لا يدفع الناس أسباب المقادير
وكان زياد عاملا لعليّ بن أبي طالب على فارس، فلما مات علي رضي الله عنه وبايع الحسن معاوية عام الجماعة، بقي زياد بفارس وقد ملكها وضبط قلاعها، فاغتم به معاوية، فأرسل إلى المغيرة بن شعبة، فلما دخل عليه قال: لكل نبأ مستقرّ، ولكل سر مستودع، وأنت موضع سري وغاية ثقتي. فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين إن تستودعني سرك تستودعه ناصحا شفيقا، ورعا رفيقا؛ فما ذاك يا أمير المؤمنين؟
قال: ذكرت زيادا واعتصامه بأرض فارس ومقامه بها، وهو داهية العرب، ومعه الأموال، وقد تحصن بأرض فارس وقلاعها يدبر الأمور؛ فما يؤمنني أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت، فإذا هو قد أعادها جذعة «٢» ! قال له المغيرة: أتأذن لي يا أمير المؤمنين في إتيانه؟ قال: نعم. فخرج إليه، فلما دخل عليه وجده وهو قاعد في بيت له مستقبل الشمس؛ فقام إليه زياد ورحّب به وسرّ بقدومه، وكان له صديقا؛ وذلك أن زيادا كان أحد الشهود الأربعة الذين شهدوا على المغيرة، وهو الذي تلجلج «٣» في شهادته عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنجا المغيرة وجلد الثلاثة من الشهود، وفيهم أبو بكرة أخو زياد، فحلف [أبو بكرة] أن لا يكلم زيادا أبدا.
فلما تفاوضا في الحديث قال له المغيرة: أعلمت أن معاوية استخفّه الوجل «٤» حتى