إلى أخيه بالأذى، وتحامل عليه بالمكروه؛ فلم يزدد أخوه إلا رقّة له، ولطفا به، واحتيالا لمداواة مرضه، ومراجعة حاله، عطفا عليه، وبرّا به، ومرحمة له.
فقال المهدي: أما عليّ فقد نوى اللّيان، وفضّ القلوب عن أهل خراسان، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون. ثم قال: ما ترى يا أبا محمد؟ يعني موسى ابنه.
فقال موسى: أيها المهدي، لا تسكن إلى حلاوة ما يجري من القول على ألسنتهم، وأنت ترى الدماء تسيل من خلل فعلهم. والحال من القوم تنادي بمضمرة شرّ، وخفيّة حقد، قد جعلوا المعاذير عليها سترا، واتخذوا العلل من دونها حجابا، رجاء أن يدافعوا الأيام بالتأخير، والأمور بالتطويل، فيكسروا حيل المهدي فيهم، ويثنوا جنوده عنهم، حتى يتلاحم أمرهم، وتتلاحق مادّتهم، وتستفحل حربهم، وتستمرّ الأمور بهم؛ والمهديّ من قوتهم في حال غرة «١» ! ولباس أمنة، قد فتر «٢» لها، وأنس بها، وسكن إليها. ولولا ما اجتمعت له قلوبهم، وبردت عليه جلودهم، من المناصبة بالقتال، والإضمار للقراع، عن داعية ضلال أو شيطان فساد، لرهبوا عواقب أحوال الولاة، وغبّ سكون الأمور. فليشدد المهدي- وفقه الله- أزره لهم، ويكتّب كتائبه نحوهم، وليضع الأمر على أشدّ ما يحضره فيهم، وليوقن أنه لا يعطيهم خطة يريد بها صلاحهم إلا كانت دربة لفسادهم، وقوة على معصيتهم، وداعية إلى عودتهم، وسببا لفساد من بحضرته من الجنود، ومن ببابه من الوفود الذين إن أقرّهم على تلك العادة، وأجراهم على ذلك الأدب لم يبرح في فتق حادث، وخلاف حاضر، لا يصلح عليه دين، ولا تسقيم به دنيا. وإن طلب تغييره بعد استحكام العادة، واستمرار الدّربة، لم يصل إلى ذلك بالعقوبة المفرطة، والمئونة الشديدة. والرأي للمهدي- وفقه الله- ألّا يقيل عثرتهم، ولا يقبل معذرتهم، حتى تطأهم الجيوش، وتأخذهم السيوف.
ويستحرّ «٣» بهم القتل، ويحدق بهم الموت، ويحيط بهم البلاء، ويطبق عليهم الذل.