للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن فعل المهديّ بهم ذلك كان مقطعة لكل عادة سوء فيهم، وهزيمة لكل بادرة شرّ منهم. واحتمال المهدي مؤونة غزوتهم هذه يضع عنه غزوات كثيرة، ونفقات عظيمة.

قال المهدي: قد قال القوم فاحكم يا أبا الفضل.

فقال العباس بن محمد: أيها المهدي، أما الموالي فأخذوا بفروع الرأي، وسلكوا جنبات الصواب، وتعدّوا أمورا قصّر بنظرهم عنها أنه لم تأت تجاربهم عليها.

وأما الفضل فأشار بالأموال ألا تنفق، والجنود ألا تفرّق، وبأن لا يعطى القوم ما طلبوا، ولا يبذل لهم ما سألوا، وجاء بأمر بين ذلك، استصغارا لأمرهم واستهانة بحربهم، وإنما يهيج جسيمات الأمور صغارها.

وأما عليّ فأشار باللين وإفراط الرفق. وإذا جرّد الوالي لمن غمط «١» أمره وسفه حقّه، اللين بحتا، والخير محضا، لم يخلطهما بشدة تعطف القلوب على لينه، ولا بشر يحيشهم «٢» إلى خيره؛ فقد ملّكهم الخلع لعذرهم «٣» ووسّع لهم الفرجة لثنى أعناقهم، فإن أجابوا دعوته، وقبلوا لينه من غير ما خوف اضطرهم، ولا شدة حال أخرجتهم، لم يزل ذلك يهيج عزة في نفوسهم، ونزوة في رءوسهم، يستدعون بها البلاء إلى أنفسهم؛ ويصرفون بها رأي المهدي فيهم. وإن لم يقبلوا دعوته، ويسرعوا لإجابته بالّلين المحض والخير الصّراح، فذلك ما عليه الظنّ بهم، والرأي فيهم، وما قد يشبه أن يكون من مثلهم؛ لأن الله تعالى خلق الجنة وجعل فيها من النعيم المقيم والملك الكبير ما لا يخطر على قلب بشر، ولا تدركه الفكر، ولا تعلمه نفس؛ ثم دعا الناس إليها ورغّبهم فيها؛ فلولا أنه خلق نارا جعلها لهم رحمة يسوقهم بها إلى الجنة، لما أجابوا ولا قبلوا.

وأما موسى فأشار بأن يعصبوا بشدّة لا لين فيها، وأن يرموا بشرّ لا خير معه.