شدة الفرق «١» ، وعلى رأسه عمامة خزّ خضراء، وجعل يشخص إليّ ببصره ساعة كالمتوهم، ثم يعود إلى قراءة الكتاب ويلاحظني النظر كالمتفهّم، إلا أنه واجم «٢» ؛ ثم يعاود الكتاب، وإني لأقول: ما أراه يثبت حروفه؛ من شدة اضطراب يده، حتى استقصى قراءته؛ ثم مالت يده حتى وقع الكتاب على الفراش، ورجع إليه ذهنه، فمسح العرق عن جبينه ثم قال متمثلا:
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع «٣»
ثم قال: قبح والله منا الحسن يا نباتة، وتواكلتنا عند أمير المؤمنين الألسن، وما هذا إلا سانح فكرة نمقها مرصد يكلب بقصتنا، مع حسن رأي أمير المؤمنين فينا.
يا غلام! فتبادر الغلمان الصيحة، فملىء علينا منهم المجلس، حتى دفأتني «٤» منهم الأنفاس، فقال: الدواة والقرطاس. فأتي بداوة وقرطاس، فكتب بيده، وما رفع القلم مستمدا حتى سطر مثل خد الفرس، فلما فرغ قال لي يا نباتة، هل علمت ما جئت به فنسمعك ما كتبنا؟ قلت: لا. قال: إذا حسبك منا مثله. ثم ناولني الجواب، وأمر لي بجائزة فأجزل، وجرّد لي كساء ودعا لي بطعام فأكلت ثم قال: نكلك «٥» إلى ما أمرت به من عجلة أو توان، وإني لأحب مقارنتك والأنس برؤيتك. فقلت: كان معي قفل مفتاحه عندك، ومفتاح قفلك عندي، فأحدثت لك العافية بأمرين: فاقفلت المكروه وفتحت العافية، وما ساءني ذلك وما أحب أن أزيدك بيانا، وحسبك من استعجال القيام.
ثم نهضت وقام مودعا لي، فالتزمني وقال: بأبي أنت وأمي، رب لفظة مسموعة ومحتقر نافع؛ فكن كما أظن.
فخرجت مستقبلا وجهي حتى وردت أمير المؤمنين، فوجدته منصرفا من صلاة