قال صالح: لسنا نبلغ أيها المهدي بدوام البحث وطول الفكر أدنى فراسة رأيك، وبعض لحظات نظرك؛ وليس ينفضّ عنك من بيوتات العرب ورجالات العجم، ذو دين فاضل ورأي كامل، وتدبير قويّ، تقلده حربك، وتستودعه جندك، ممن يحتمل الأمانة العظيمة، ويضطلع بالأعباء الثقيلة. وأنت بحمد الله ميمون النقيبة، مبارك العزيمة، مخبور التجارب، محمود العواقب، معصوم العزم؛ فليس يقع اختيارك ولا يقف نظرك على أحد تولّيه أمرك وتسند إليه ثغرك إلا أراك الله ما تحب، وجمع لك منه ما تريد.
قال المهدي: إني لأرجو ذلك. لقديم عادة الله فيه، وحسن معونته عليه. ولكن أحب الموافقة على الرأي، والاعتبار للمشاورة في الأمر المهم.
قال محمد بن الليث: أهل خراسان- أيها المهدي- قوم ذو وعزة ومنعة، وشياطين خدعة زرع الحمية فيهم نابتة، وملابس الأنفة عليهم ظاهرة، فالرّويّة عنهم عازبة «١» ، والعجلة فيهم حاضرة، تسبق سيولهم مطرّهم، وسيوفهم عذلهم، لأنهم بين سفلة لا يعدو مبلغ عقولهم منظر عيونهم، وبين رؤساء لا يلجمون إلا بشدّة ولا يفطمون إلا بالقهر؛ وإن ولّى المهدي عليهم وضيعالم تنقد له العظماء، وإن ولّى أمرهم شريفا تحامل على الضعفاء. وإن أخّر المهديّ أمرهم ودافع حربهم حتى يصيب لنفسه من حشمه ومواليه، أو بني عمه أو بني أبيه، ناصحا يتفق عليه أمرهم، وثقة تجتمع له أملاؤهم «٢» ، بلا أنفة تلزمهم، ولا حميّة تدخلهم، ولا عصبية تنفّرهم، تنفست الأيام بهم، وتراخت الحال بأمرهم، فدخل بذلك من الفساد الكبر والضياع العظيم ما لا يتلافاه صاحب هذه الصفة وإن جدّ ولا يستصلحه وإن جهد، إلا بعد دهر طويل، وشر كبير. وليس المهدي- وفقه الله- فاطما عاداتهم ولا قارعا صفاتهم «٣» بمثل أحد رجلين لا ثالث لهما، ولا عدل في ذلك بهما: أحدهما لسان ناطق موصول بسمعك،