والجود والتؤدة والرفق ثابت في صدوركم، مزروع في قلوبكم، مستحكم لكم، متكامل عندكم، بطبائع لازمة، وغرائز ثابتة.
قال معاوية بن عبد الله: أفتاء «١» أهل بيتك أيها المهدي في الحلم على ما ذكر، وأهل خراسان في حال عزّ على ما وصف. ولكن إن ولّى المهديّ عليهم رجلا ليس بقديم الذّكر في الجنود، ولا بنبيه الصوت في الحروب، ولا بطويل التجربة للأمور، ولا بمعروف السياسة للجيوش والهيبة في الأعداء، دخل من ذلك أمران عظيمان، وخطران مهولان: أحدهما أن الأعداء يغتمزونها منه، ويحتقرونها فيه، ويجترءون بها عليه في النّهوض به والمقارعة له والخلاف عليه، قبل الاختبار لأمره، والتكشّف لحاله، والعلم بطباعه. والأمر الآخر أن الجنود التي يقول، والجيوش التي يسوس، إذا لم يختبروا منه البأس والنجدة، ولم يعرفوه بالصّوت والهيبة؛ انكسرت شجاعتهم، وماتت نجدتهم، واستأخرت طاعتهم إلى حين اختبارهم ووقوع معرفتهم. وربما وقع البوار قبل الاختبار. وبباب المهدي- وفقه الله- رجل مهيب نبيه حيك صيّت «٢» ، له نسب زاك وصوت عال، قد قاد الجيوش، وساس الحروب، وتألف أهل خراسان واجتمعوا عليه بالمقة «٣» ، ووثقوا به كل الثّقة، فلو ولّاه المهدي أمرهم لكفاه الله شرهم.
قال المهدي: جانبت قصد الرّميّة، وأبيت إلا عصبية، إذ رأي الحدث من أهل بيتنا كرأي عشرة حلماء من غيرنا، ولكن أين تركتم ولي العهد؟
قالوا: لم يمنعنا من ذكره إلا كونه شبيه جدّه، ونسيج وحده، ومن الدين وأهله بحيث يقصر القول عن أدنى فضله، ولكن وجدنا الله عز وجل قد حجب عن خلقه، وستر من دون عباده، علم ما تختلف به الأيام، ومعرفة ما تجري به المقادير، من حوادث الأمور وريب المنون، المخترمة لخوالي القرون ومواضي الملوك؛ فكرهنا