شسوعه «١» عن محلة الملك، ودار السلطان، ومقرّ الإمامة والولاية، وموضع المدائن والخزائن، ومستقرّ الجنود، وموضع الوجوه، ومجمع الأموال التي جعلها الله قطبا لمدار الملك، ومصيدة لقلوب الناس، ومثابة لإخوان الطمع، وثوّار الفتن، ودواعي البدع، وفرسان الضلال، وأبناء المروق؛ وقلنا: إن وجّه المهدي وليّ عهده فحدث في جيوشه وجنوده ما قد حدث بجنود الرسل من قبله، لم يستطع المهدي أن يعقبه بغيره، إلا أن ينهض إليهم بنفسه؛ وهذا خطر عظيم، وهول شديد؛ وإن تنفّست الأيام بمقامه، واستدامت الحال بأيامه، حتى يقع عرض لا يستغني فيه، أو يحدث أمر لابد فيه منه، صار ما بعده مما هو أعظم هولا وأجل خطرا. له تبعا وبه متّصلا.
قال المهدي: الخطب أيسر مما تذهبون إليه؛ وعلى غير ما تصفون الأمر عليه، نحن أهل البيت. نجري من أسباب القضايا ومواقع الأمور على سابق من العلم، ومحتوم من الأمر، قد أنبأت به الكتب، وتتابعت عليه الرسل، وقد تناهى ذلك بأجمعه إلينا، وتكامل بحذافيره «٢» عندنا، فبه ندبّر، وعلى الله نتوكل: إنه لا بدّ لوليّ عهدي- ووليّ عهدي عقبي بعدي- أن يقود إلى خراسان البعوث، ويتوجّه نحوها بالجنود.
أما الأول فإنه يقدّم إليهم رسله، ويعمل فيهم حيله، ثم يخرج نشطا إليهم، حنقا عليهم، يريد ألّا يدع أحدا من إخوان الفتن، ودواعي البدع، وفرسان الضلال، إلا توطّأه بحرّ القتل، وألبسه قناع القهر، وطوّقه طوق الذّل. ولا أحدا من الذين عملوا في قصّ جناح الفتنة، وإخماد نار البدعة، ونصرة ولاة الحق، إلا أجرى عليهم ديم فضله، وجداول بذله، فإذا خرج مزمعا به مجمعا عليه؛ لم يسر إلا قليلا حتى يأتيه أن قد عملت حيله؛ وكدحت كتبه؛ ونفذت مكايده؛ فهدأت نافرة القلوب، ووقعت طائرة الأهواء «٣» ، واجتمع عليه المختلفون بالرضا؛ فيميل نظرا لهم وبرّا بهم وتعطّفا عليهم، إلى عدوّ قد أخاف سبيلهم، وقطع طريقهم، ومنع حجّاجهم بيت الله