للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحرام، وسلب تجارهم رزق الله الحلال.

وأما الآخر فإنه يوجه إليهم من يعتقد له الحجة عليهم بإعطاء ما يطلبون، وبذل ما يسألون، فإذا سمحت الفرق بقرانها له، وجنح أهل النواحي بأعناقهم نحوه، فأصغت إليه الأفئدة، واجتمعت له الكلمة، وقدمت عليه الوفود، قصد لأول ناحية بخعت «١» بطاعتها، وألقت بأزمتها، فألبسها جناح نعمته، وأنزلها ظلّ كرامته، وخصّها بعظيم حبائه، ثم عمّ الجماعة بالمعدلة؛ وتعطّف عليهم بالرحمة، فلا تبقى فيهم ناحية دانية، ولا فرقة قاصية، إلا دخلت عليها بركته، ووصلت إليها منفعته، فأغنى فقيرها، وجبر كسيرها، ورفع وضيعها، وزاد رفيعها، ما خلا ناحيتين: ناحية يغلب عليهم الشقاء وتستميلهم الأهواء فتستخف بدعوته، وتبطيء عن إجابته، وتتثاقل عن حقه، فتكون آخر من يبعث، وأبطأ من يوجّه، فيضطمر عليها موجده، «٢» ويبتغي لها علة، لا يلبث أن يجدها بحقّ يلزمهم؛ وأمر يجب عليهم، فتستلحمهم الجيوش، وتأكلهم السيوف، ويستحرّفيهم القتل، ويحيط بهم الأسر، ويفنيهم التتبّع، حتى يخرب البلاد، ويؤتم الأولاد. وناحية لا يبسط لهم أمانا، ولا يقبل لهم عهدا، ولا يجعل لهم ذمة؛ لأنهم أول من فتح باب الفرقة، وتدرّع جلباب الفتنة، وربض «٣» في شقّ العصا. ولكنه يقتل أعلامهم، ويأسر قوّادهم، ويطلب هرّابهم في لجج البحار، وقلل الجبال، وخمر الأودية، وبطون الأرض، تقتيلا وتغليلا وتنكيلا؛ حتى يدع الدّيار خرابا، والنّساء أيامى. وهذا أمر لا نعرف له في كتبنا وقتا، ولا نصحّح منه غير ما قلنا تفسيرا.

وأما موسى ولي عهدي، فهذا أوان توجّهه إلى خراسان، وحلوله بجرجان؛ وما قضى الله له من الشخوص «٤» إليها والمقام فيها، خير للمسلمين مغبّة، وله بإذن الله عاقبة، من المقام بحيث يغمر في لجج بحورنا ومدافع سيولنا ومجامع أمواجنا،