للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيتصاغر عظيم فضله، ويتذأب «١» مشرق نوره، ويتقلل كثير ما هو كائن منه فمن يصحبه من الوزراء ومن يختار له من الناس؟

قال محمد بن الليث: أيها المهدي، إن وليّ عهدك أصبح لأمتك وأهل ملتك علما قد تثنّت نحوه أعناقها، ومدّت سمته أبصارها، وقد كان لقرب داره منك، ومحلّ جواره لك، عطل الحال، غفل الأمر، واسع العذر، فأما إذا انفرد بنفسه، وخلا بنظره، وصار إلى تدبيره، فإن من شأن العامة وأمراء الأمة أن تتفقد مخارج رأيه، وتستنصت لمواقع آثاره، وتسأل عن حوادث أحواله، في برّه ومرحمته، وإقساطه ومعدلته، وتدبيره وسياسته، ووزرائه وأصحابه، ثم يكون ما سيق إليهم أغلب الأشياء عليهم، وأملك الأمور بهم، وألزمها لقلوبهم، وأشدّها استمالة لرأيهم، وعطفا لأهوائهم. فلا يفتأ المهدي- وفقه الله- ناظرا له فيما يقوّي عمد مملكته، ويسدّد أركان ولايته، ويستجمع رضا أمته، بأمر هو أزين لحاله، وأظهر لجماله، وأفضل مغبّة لأمره، وأجلّ موقعا في قلوب رعيته، وأحمد حالا في نفوس أهل ملّته. ولا أوقع مع ذلك باستجماع الأهواء له؛ وأبلغ في استعطاف القلوب عليه، من مرحمة تظهر من فعله، ومعدلة تنتشر عن أثره، ومحبة للخير وأهله، وأن يختار المهديّ- وفقه الله- من خيار أهل كل بلدة، وفقهاء أهل كلّ مصر. أقواما تسكن العامة إليهم إذا ذكروا، وتأنس الرعية بهم إذا وصفوا، ثم تسهّل لهم عمارة سبل الإحسان؛ وفتح باب المعروف كما قد كان فتح له وسهل عليه.

قال المهدي: صدقت ونصحت. ثم بعث في ابنه موسى؛ فقال: أي بنيّ، إنك قد أصبحت لسمت عيون العامة نصبا «٢» ، ولمثنى أعطاف الرعية غاية، فحسنتك شاملة، وإساءتك نامية، وأمرك ظاهر. فعليك بتقوى الله وطاعته، فاحتمل سخط الناس فيهما، ولا تطلب رضاهم بخلافهما؛ فإن الله عزّ وجلّ كافيك من أسخطه عليك إيثارك رضاه؛ وليس بكافيك من يسخطه عليك إيثارك رضا من سواه.

ثم اعلم أن لله تعالى في كل زمان عترة من رسله، وبقايا من صفوة خلقه، وخبايا