ولو كان اختيار الله لهنّ على قدر قرابتهنّ، لكانت آمنة أقربهنّ رحما، وأعظمهنّ حقا، وأول من يدخل الجنة غدا؛ ولكن اختيار الله لخلقه على قدر علمه الماضي لهنّ؛ فأما ما ذكرت من فاطمة جدّة النبي صلّى الله عليه وسلم وولادتها لك، فإن الله لم يرزق أحدا من ولدها دين الإسلام، ولو أن أحدا من ولدها رزق الإسلام بالقرابة لكان عبد الله ابن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الدنيا والآخرة؛ ولكن الأمر لله، يختار لدينه من يشاء، وقد قال جل ثناؤه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
«١» . وقد بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم وله عمومة أربعة، فأنزل الله عليه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ
«٢» ؛ فدعاهم فأنذرهم؛ فأجابه اثنان، أحدهما أبي، وأبى عليه اثنان، أحدهما أبوك؛ فقطع الله ولايتهما منه، ولم يجعل بينهما إلّا «٣» ولا ذمّة ولا ميراثا.
وقد زعمت أنك ابن أخف أهل النار عذابا، وابن خير الأشرار؛ وليس في الشر خيار، ولا فخر في النار، وسترد فتعلم وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
«٤» .
وأمّا ما فخرت به من فاطمة أمّ عليّ، وأنّ هاشما ولد عليّا مرتين، فخير الأوّلين والآخرين رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يلده هاشم إلا مرة واحدة، ولا عبد المطلب إلا مرة.
وزعمت أنك أوسط بني هاشم نسبا، وأكرمهم أبا وأما، وأنك لم تلدك العجم، ولم تعرق فيك أمّهات الأولاد؛ فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طرّا «٥» ، فانظر أين أنت- ويحك- من الله غدا؟ فإنك قد تعديت طورك، وفخرت على من هو خير منك نفسا وأبا وأولا وآخرا؛ فخرت على إبراهيم ولد النبي صلّى الله عليه وسلم، وهل خيار ولد