الكاف أقوى عندهم من الهاء وأثبت في الكلام، وإذا خاطبت الذكر والمؤنث لا تبدل صورتها كما تبدل الهاء في غلامه وغلامها، وإذا قلت: مررت بغلامك، ورأيت غلامك، فالكاف في حال واحدة، والهاء مضطربة في قولك: رأيت غلامه، ومررت بغلامه، وإنما جاز فيها ان تكون وصلا أيضا كما تكون الهاء، لانها تشبهت بالهاء، إذ كانت حرف إضمار كالهاء، ودخلت على الاسم كدخول الهاء، وكانت اسما للحرف كما تكون الهاء، وإنما خالفتها بالشيء اليسير، وأما قولك: ارمه، واغزه، فلا تكون الهاء ههنا رويا، لانها لحقت الاسم بعد تمامه، ولانها زوائد فيه وأنها دخلت لتبين حركة [الزاي] من اغزه والميم من ارمه، وقد تكون تدخل للوقف أيضا.
واذا كانت الهاء اصلية لم تكن إلا رويا، مثل قول الشاعر:
قالت أبنّا لي وإلا أسفه ... ما السّوء إلا غفلة المدلّه
ومن بنى شعرا على «حيّ» جاز له فيه «طيّ» و «رمى» ، لأنّ الياء الاولى من حيّ، ليست بردف، لانها من حرف مثقل قد ذهب مدّه ولينه، قال سيبويه: وإذا قال الشعر: تعالى، أو تعالوا، لم تكن الياء والواو إلا رويا، لان ما قبلهما انفتح، فلما صارت الحركة التي قبلهما غير حركتهما ذهبت قوّتهما في المدّ وأكثريتهما، وكذلك:
أخشى واخشوا، وكل ياء أو واو انفتح ما قبلها، وكذلت هذه الياء والواو إذا تحرّكتا لم تكونا إلا حرف روي، لذهاب اللين والمدّ وكذلك قوله: رأيت قاضيا، وراميا، وأريد ان يغزو، وتدعو، في قافيتين من قصيدة.
وأمّا الميم من غلامهم وسلامهم، فقد تكون رويا، وقد تكون وصلا ويلزم ما قبلها، كما قال الشاعر:
يا قاتل الله عصبة شهدوا ... خيف منّي لي ما كان أسرعهم
إن نزلوا لم يكن لهم لبث ... أو رحلوا أعجلوا مودّعهم
لا غفر الله للحجيج إذا ... كان حبيبي إذا نأوا معهم!
فالعين هنا حرف الرويّ، والهاء والميم صلة، كحروف الإضمار كلها التي تقدّم