ثم قام الحارث بن عباد البكري فقال: دامت لك المملكة باستكمال جزيل حظّها، وعلوّ ثنائها. من طال رشاؤه كثر متحه «١» ، ومن ذهب ماله قلّ منحه. تناقل الأقاويل يعرّف اللّب؛ وهذا مقام سيوجف «٢» بما ينطق فيه الرّكّب، وتعرف به كنه حالنا العجم والعرب؛ ونحن جيرانك الأدنون، وأعوانك المعينون، خيولنا جمّة، وجيوشنا فخمة، إن استنجدتنا فغير ربض «٣» ، وإن استطرقتنا فغير جهض»
، وإن طلبتنا فغير غمض، لا ننثني لذعر، ولا نتنكّر لدهر، رماحنا طوال، وأعمارنا قصار.
قال كسرى: أنفس عزيزة، وأمة والله ضعيفة.
قال الحارث: أيها الملك، وأنى يكون لضعيف عزّة، أو لصغير مرّة؟
قال كسرى: لو قصر عمرك لم تستول على لسانك نفسك.
قال الحارث: أيها الملك، إن الفارس إذا حمل نفسه على الكتيبة مغرّرا بنفسه على الموت، فهي منية استقبلها، وحياة استدبرها؛ والعرب تعلم أني أبعث الحرب قدما، وأحبسها وهي تصرّف بهم، حتى إذا جاشت نارها، وسعرت لظاها، وكشفت عن ساقها، جعلت مقادها رمحى، وبرقها سيفي، ورعدها زئيري، ولم أقصّر عن خوض خضاخضها «٥» ، حتى أنغمس في غمرات لججها، وأكون فلكا لفرساني إلى بحبوحة كبشها، فأستمطرها دما، وأترك حماتها جزر السباع وكلّ نسر قشعم «٦» .