قال كسرى: ما رأيت كاليوم وفدا أحشد، ولا شهودا أوفد.
ثم قام عمرو بن الشريد السّلمي فقال: أيها الملك نعم بالك، ودام في السرور حالك؛ إنّ عاقبة الكلام متدبّرة، وأشكال الأمور معتبرة، وفي كثير ثقلة، وفي قليل بلغة، وفي الملوك سورة العزّ «١» ، وهذا منطق له ما بعده، شرف فيه من شرف، وخمل فيه من خمل، لم نأت لضيمك، ولم نفد لسخطك، ولم نتعرّض لرفدك. إنّ في أموالنا مرتقدا، وعلى عزنا معتمدا؛ إن أورينا نارا أثقبنا، وإن أود «٢» دهر بنا اعتدلنا، إلا أنّا مع هذا لجوارك حافظون، ولمن رامك مكافحون، حتى يحمد الصّدر، ويستطاب الخبر.
قال كسرى: ما يقوم قصد منطقك بإفراطك، ولا مدحك بذمّك.
قال عمرو: كفى بقليل قصدي هاديا، وبأيسر إفراطي مخبرا، ولم يلم من عزفت «٣» نفسه عما يعلم، ورضي من القصد بما بلغ.
قال كسرى: ما كل ما يعرف المرء ينطق به. اجلس.
ثم قام خالد بن جعفر الكلابيّ فقال: أحضر الله الملك إسعادا، وأرشده إرشادا؛ إنّ لكل منطق فرصة، ولكل حاجة غصة، وعيّ المنطق أشدّ من عيّ السكوت، وعثار القول أنكى من عثار الوعث «٤» ، وما فرصة المنطق عندنا إلا بما نهوى، وغصة المنطق بما لا نهوى غير مستساغة، وتركي ما أعلم من نفسي ويعلم من سمعني أنني له مطيق أحبّ إليّ من تكلّفي ما أتخوّف ويتخوفّ مني. وقد أوفدنا إليك ملكنا النعمان، وهو لك من خير الأعوان، ونعم حامل المعروف والإحسان. أنفسنا بالطاعة لك باخعة «٥» ، ورقابنا بالنصيحة خاضعة، وأيدينا لك بالوفاء رهينة.