ثم قام علقمة بن علاثة العامريّ فقال: أنهحت لك سبل الرشاد، وخضعت لك رقاب العباد: إن للأقاويل مناهج، وللآراء موالج، وللعويص مخارج؛ وخير القول أصدقه، وأفضل الطلب أنجحه. إنّا وإن كانت المحبّة أحضرتنا، والوفادة قرّبنا، فليس من حضرك منا بأفضل ممن عزب «١» عنك، بل لو قست كلّ رجل منهم وعلمت منهم ما علمنا، لوجدت له في آبائه دنيا أندادا وأكفاء، كلهم إلى الفضل منسوب، وبالشرف والسودد موصوف، وبالرأي الفاضل والأدب النافذ معروف، يحمى حماه، ويروى نداماه، ويذود أعداه؛ لا تخمد ناره، ولا يحترز منه جاره. أيها الملك، من يبل العرب يعرف فضلهم؛ فاصطنع العرب، فإنها الجبال الرواسي عزّا، والبحور الزواخر طميّا «٢» ، والنجوم الزواهر شرفا، والحصى عددا؛ فإن تعرف لهم فضلهم يعزوّك، وإن تستصرخهم لا يخذلوك.
قال كسرى- وخشي أن يأتي منه كلام يحمله على السخط عليه: حسبك، أبلغت وأحسنت.
ثم قام قيس بن الشّيباني فقال: أطاب الله بك المراشد، وجنّبك المصائب، ووقاك مكروه الشّصائب «٣» ؛ ما أحقّنا إذ أتيناك بإسماعك ما لا يحنق صدرك، ولا يزرع لنا حقدا في قلبك؛ لم نقدم أيها الملك لمساماة، ولم ننتسب لمعاداة، ولكن لتعلم أنت ورعيتك ومن حضرك من وفود الأمم أنّا في المنطق غير محجمين، وفي اليأس غير مقصرين؛ إن جورينا فغير مسبوقين، وإن سومينا فغير مغلوبين.
قال كسرى: غير أنكم إذا عاهدتم غير وافين. وهو يعرّض به في تركه الوفاء بضمانه السّواد «٤» .