فإن تكن الأيام فرّقن بيننا ... فقد عذرتنا في صحابته العذر
وكنت أرى هجرا فراقك ساعة ... ألا لا بل الموت التفرق والهجر
أحقا عباد الله أن لست لاقيا ... بريدا طوال الدهر مالألأ العفر «١»
فتى ليس كالفتيان إلا خيارهم ... من القوم جزل لا ذليل ولا غمر «٢»
فتى إن هو استغنى تخرّق في الغنى ... وإن كان فقر لم يؤد متنه الفقر «٣»
وسامي جسيمات الأمور فنالها ... على العسر حتى يدرك العسرة اليسر
ترى القوم في العزاء ينتظرونه ... إذا شتّ رأي القوم أو حزب الأمر «٤»
فليتك كنت الحيّ في الناس باقيا ... وكنت أنا الميت الذي ضمّه القبر
فتى يشتري حسن الثناء بماله ... إذا السّنة الشهباء قلّ بها القطر «٥»
كأن لم يصاحبنا بريد بغبطة ... ولم تأتنا يوما بأخباره البشر
لعمري لنعم المرء عالي نعيّه ... لنا ابن عرين بعد ما جنح العصر
تمضّت به الأخبار حتى تغلغلت ... ولم تثنه الأطباع عنا ولا الجدر «٦»
فلما نعى الناعي بريدا تغوّلت ... بي الأرض فرط الحزن وانقطع الظهر «٧»
عساكر تغشى النفس حتى كأنني ... أخو نشوة دارت بهامته الخمر
إلى الله أشكو في بريد مصيبتي ... وبثّي وأحزانا يجيش بها الصدر
وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر
وما زال في عينيّ بعد غشاوة ... وسمعي عما كنت أسمعه وقر
على أنني أقني الحياء وأتّقي ... شماتة أقدام عيونهم خزر «٨»
فحّياك عني الليل والصبح إذ بدا ... وهوج من الأرواح غدوتها شهر
سقى جدثا لو أستطيع سقيته ... بأود فروّاه الرواعد والقطر «٩»