للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

روايةٍ البخاريِّ؛ لأنها إنما تفيدُ النهيَ عن الجمعِ، وروايةُ مسلم تفيدُ النهيَ عن الاغتسالِ فقطْ، إذا لم تقيَّدْ بروايةِ البخاريِّ.

[ثم] (١) روايةُ أبِي داودَ بلفظِ: "لا يبولَنَّ أحدكُمْ فِي الماءِ الدائمِ، ولا يغتسِلْ فيهِ" تفيدُ النهيَ عن كلِّ واحدٍ على انفرادِهِ. (فيه. ولمسلمٍ) في روايتهِ (منهُ) بدلًا عَنْ قولِهِ: فيهِ؛ فالأولى تفيدُ أنه لا يَغْتَسِلُ فيه بالانغماسِ مثلًا، والثانيةُ تفيدُ أنهُ لا يتناولُ منهُ ويغتسلُ خارجَهُ.

(ولأبي داودَ) بلفظِ: (ولا يغتسلْ فيه) عوضًا عن ثُمَّ يغتسلُ (مِنَ الجَنَابَةِ) عوضًا عن قولهِ: "وهو جُنُبٌ". وقوله هنا: "ولا يغتسلْ"، دالٌّ على أن النهيَ عن كلِّ واحدٍ من الأمرينِ على انفرادِه كما هوَ أحدُ الاحتمالينِ الأولينِ في روايةٍ ثمَّ يغتسلُ منهُ. قال في الشرحِ: وهذا النهيُ في الماءِ الكثيرِ للكراهةِ، وفِي الماءِ القليلِ للتحريمِ قيلَ عليهِ: إنهُ يؤدي إلى استعمالِ لفظِ النهيِ في حقيقتهِ ومجازِهِ، فالأحسنُ أنْ يكونَ منْ عمومِ المجازِ، والنهيُ مستعملٌ في عدَمِ الفعلِ الشاملِ للتحريم وكراهةِ التنزيهِ.

فأما حكمُ الماءِ الراكدِ، وتنجيسُهُ بالبولِ، أو منعه مِنَ التطهيرِ بالاغتسالِ فيهِ للجنابةِ، فعندَ القائلين بأنهُ لا ينجُسُ إلا ما تغيرَ أحدُ أوصافِه: النهيُ عنهُ للتعمدِ وهوَ طاهرٌ في نفسهِ، وهذا عندَ المالكيةِ، فإنهُ يجوزُ التطَهرُ بهِ؛ لأنَّ النهيَ عندهُم للكراهَةِ، وعندَ الظاهريةِ أنهُ للتحريمِ، وإنْ كانَ النهيُ تعبدًا لا لأجل التنجيس، لكنَّ الأصلَ في النهيِ التحريمُ، وأما عندَ مَنْ فَرَّقَ بينَ القليل والكثير فقالوا: إنْ كانَ الماءُ كثيرًا وكِلَ على أصلهِ في حدهِ ولم يتغيرْ أحدُ أوصافِه، فهوَ الطاهرُ، والدليلُ على طهوريته [تخصيصُ] (٢) هذا العمومِ إلا أنَّهُ قدْ يقالُ: إذا قلتم: النهيُ للكراهةِ في الكثيرِ فلا تخصيصَ لعمومِ حديثٍ البابِ، وإنْ كانَ الماءُ قليلًا وكِلَ في حدهِ على أصلهِ: فالنهيُ عنهُ للتحريمِ؛ إذ هوَ غيرُ طاهرٍ ولا مطهِّرٍ، وهذا على أصلهِمْ في كونِ النهيِ للنجاسة. وذكرَ في الشرح الأقوالَ في البول في الماءِ [وهو أنَّهُ] (٣) لا يحرمُ في الكثير الجاري كما يقتضيه مفهومُ هذا الحديثِ،


(١) في النسخة (ب): "نعم".
(٢) في النسخة (أ): "تخصص".
(٣) في النسخة (ب): "وأنه".