للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منْ بعدِ تَبَيُّنِ التصريةِ، وقيلَ: منْ عندِ العقدِ، وقيلَ: منَ التفرُّقِ (١). ودلَّ الحديثُ أنهُ يردُّ عوضَ اللبنِ صاعًا منْ تمرٍ، وأما الروايةُ التي عَلَّقَهَا البخاريُّ (٢) بذكرِ: "صاعًا منْ طعامٍ" فقدْ رجَّحَ البخاريُّ روايةَ التمرِ لكونهِ أكثر (٣). وإذا ثبتَ أنهُ يردُّ المشتري صاعًا منْ تمرٍ ففي المسألةِ ثلاثةُ أقوال:

الأولُ: للجمهور (٤) منَ الصحابةِ والتابعينَ بإثباتِ الردِّ للمصراةِ، ردِّ [صاعٍ] (٥) منْ تمرٍ، سواءٌ كانَ اللبنُ كثيرًا [أو] (٦) قليلًا، والتمرُ قوتًا لأهلِ البلدِ أوْ لا.

والثاني: للهادويةِ (٧)، فقالُوا: تُرَدُّ المصرَّاةُ، ولكنَّهم قالُوا بردِّ اللبنِ بعينهِ إنْ كانَ باقيًا، أو مثلِه إنْ كانَ تالفًا، أو قيمتِه يومَ الردِّ حيثُ لم يوجدِ المثلُ. قالُوا: وذلك [لأنه] (٨) تقرَّرَ أن ضمانَ المتلفِ إنْ كانَ مِثْلِيًا فبالمثلِ، وإنْ كانَ قيْميًّا فبالقيمةِ، واللبنُ إنْ كانَ مثليًا ضمن بمثله وإن كان قيميًا قُوِّمَ بأحدِ النقدينِ وضُمِنَ بذلكَ، فكيفَ يضمنُ بالتمرِ أو الطعام؟ قالُوا: وأيضًا فإنهُ كانَ الواجبُ أنْ يختلفَ الضمانُ بقدرِ اللبنِ، ولا يُقَدَّرُ بصاعٍ أَقلَّ أَوْ أكثرَ. وأُجِيْبَ بأنَّ هذا القياسَ تضمَّنَ العمومَ في جميعِ المتلفاتِ، وهذا خاصٌّ وردَ بهِ النصُّ، والخاصُّ مقدَّمٌ على العامِّ.

أما تقديرُ الصاعِ فإنهُ قدَّرَهُ الشارعُ لِيدفَعَ التشاجرَ لعدم الوقوفِ على حقيقةِ قدْرِ اللبنِ لجوازِ اختلاطِه بحادث بعدَ البيعِ، فَقَطَعَ الشارعُ النزاعَ وقدَّرهُ بحدٍّ لا يبعدُ رفعًا للخصومَةِ، وقدَّرَهُ بأقربِ شيءٍ إلى اللبنِ، فإنَّهما كانا قوتًا في ذلك الزمانِ، ولهذا الحكمِ نظائرُ في الشريعةِ وهوَ ضمانُ الجناياتِ (٩) كالموضحةِ؛ فإنَّ أرشَها مقدَّرٌ معَ الاختلافِ في الكبرِ والصغرِ؛ والغرةِ في الجنينِ معَ اختلافهِ؛ والحكمةُ في ذلكَ كلِّه دفعُ التشاجر.


(١) في المخطوط: "التصرف" وما أثبتناه من المطبوع.
(٢) في "صحيحه" (٤/ ٣٦١ في آخر الحديث ٢١٤٨).
(٣) يعني أكثر الروايات بذكر التمر وأقلها بذكر الطعام أو بدون ذكر شيء.
(٤) انظر: "فتح الباري" (٤/ ٣٦٤).
(٥) في (أ): "وصاعًا".
(٦) في المخطوط "و"، وما أثبتناه في المطبوع.
(٧) انظر: "البحر الزخار" (٣/ ٣٥٣).
(٨) في (أ): "أنه".
(٩) انظر: كتاب الجنايات من كتابنا هذا من الحديث رقم (١/ ١٠٨٧).