للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قولهِ: "أوْلِمْ ولوْ بشاةٍ"، دليلٌ على وجوبِ الوليمةِ في العرسِ، وإليهِ ذهبَ الظاهريةُ (١)، قيلَ: وهوَ نصُّ الشافعيِّ في "الأمِّ" (٢)، ويدلُّ لهُ ما أخرجَه أحمدُ (٣) منْ حديثِ بريدةَ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لما خطبَ عليٌّ فاطمةَ - رضي الله عنهما -: "لا بدَّ منْ وليمةٍ"، وسندُه لا بأسَ بهِ، وهوَ يدلُّ علَى لزوم الوليمةِ وهوَ في معنَى الوجوبِ. وما أخرجَه أَبو الشيخِ والطبرانيُّ في "الأوسطِ" (٤) منْ حديثِ أَبي هريرةِ مرفُوعًا: "الوليمةُ حقٌّ وسنةٌ فمنْ دُعِيَ ولم يجبْ فقدْ عَصَى"، والظاهرُ منَ الحقِّ الوجوبُ. وقالَ أحمدُ: الوليمةُ سنةٌ، وقالَ الجمهورُ: مندوبةٌ، وقالَ ابنُ بطالٍ: لا أعلمُ أحدًا أوجبَها، وكأنهُ لم يعرفِ الخلافَ. واستدلَّ الجمهور على النُّدبيةِ بما قالَ الشافعيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لا أعلمُ أمرَ بذلكَ غيرَ عبدِ الرحمنِ، ولا أعلمُ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - تركَ الوليمةَ، رواهُ عنهُ البيهقيُّ فجعلَ ذلكَ مستندًا إلى كونِ الوليمةِ غيرَ واجبةٍ ولا يخفَى ما فيهِ (٥). واختلفَ العلماءُ في وقتِ الوليمةِ، هلْ هيَ عندَ العقدِ أو عقبَهُ أو عندَ الدخولِ؟ وهي أقوالٌ في مذهبِ المالكيةِ، ومنْهم مَنْ قالَ عندَ العقدِ وبعدَ الدخولِ، وصرَّحَ الماوردي منَ الشافعيةِ (٦) بأنَّها عندَ الدخولِ، قالَ ابنُ السبكي: والمنقولُ منْ فِعْلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنها بعدَ الدخولِ، وكأنهُ يشيرُ إلى قصةِ زواجِ زينبَ بنتِ جحشٍ (٧)، لقولِ أنسٍ: أصبحَ - يعني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عروسًا بزينبَ فدعَا القومَ. وقدْ ترجَم عليهِ البيهقيُّ بابُ وقتِ الوليمةِ (٨). وأما مقدارُها فظاهرُ الحديثِ أن الشاةَ أقلُّ ما يجزئُ، إلَّا أنهُ قدْ ثبتَ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَمَ على أمِّ سلمةَ وغيرِها بأقلَّ منْ شاةٍ (٩)، وأولمَ على زينبَ بشاةٍ.


(١) كما في "المحلَّى" (٩/ ٤٥٠ رقم المسألة: ١٨١٩).
(٢) (٦/ ١٩٦).
(٣) في "الفتح الرباني" (١٦/ ٢٠٥ رقم ١٧٥) بسند جيد.
(٤) أخرجه الطبراني في "الأوسط" - كما في "مجمع الزوائد" (٤/ ٥٢) من حديث أَبي هريرة وقال الهيثمي: "وفيه يحيى بن عثمان التيمي وثقه أَبو حاتم الرازي، وابن حبان، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح" اهـ.
(٥) انظر: "المغني" لابن قدامة (١٠/ ١٩٢ - ١٩٣ مسألة ١٢١٧).
(٦) انظر: "الحاوي الكبير" (١٢/ ١٩٠ - ٢٠٥) باب الوليمة.
(٧) أخرجه مسلم (٢/ ١٠٥٠ رقم ٩٣/ ١٤٢٨).
(٨) في "السنن الكبرى" (٧/ ٢٦٠).
(٩) • أخرج البخاري رقم (٣٧١) عن أنس، قصة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفية بنت حُيَيٍّ وفيه: =