للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحنفيةُ إلى أنهُ لا يثبتُ الفراشُ للأَمَةِ إلَّا بدعْوى الولدِ ولا يكفي الإقرارُ بالوطْءِ فإن لم يدَّعِهِ فلا نسبَ وكانَ مِلْكًا لمالِك الأمَةِ، وإذا ثبتَ فراشُها بدعوته أولِ ولدٍ منْها فما ولدتْه بعدَ ذلكَ لحقَ بالسيِّدِ وإنْ لم يدعِ المالكُ ذلكَ قالُوا: وذلكَ للفرقِ بينَ الحرَّةِ والأمَةِ فإنَّ الحرَّةَ ترادُ للاستفراشِ والوطْء بخلافٍ مِلْكِ اليمينِ فإنَّ ذلكَ تابعٌ وأغلبُ المنافعِ غيرُه. وأُجِيبَ بأنَّ الكلامَ في الأَمَةِ التي اتُّخِذَتْ للوطْءِ، فإنَّ الغرضَ منَ الاستفراشِ قدْ حصلَ بها فإذا عرفَ الوطْءَ كانتْ فِرَاشًا ولا يحتاجُ إلى استلحاقٍ، والحديثُ [دل] (١) لذلكَ؛ فإنهُ لِمَا قالَ عبدُ بنُ زمعةَ: ولدَ على فَرَاش أبي ألحقَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بزمعةَ صاحبِ الفراشِ ولم يُنْظَرْ إلى الشَّبَه البيِّنِ الذِي فيهِ المخالفةُ للملْحوقِ بهِ. وتأولتِ الهادويةُ والحنفيةِ حديثَ أبي هريرةَ بتأويلاتٍ كثيرةٍ وزعمُوا أنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يُلْحِقِ الغلامَ المتنازَعَ فيهِ بنسبِ زمعةَ واستدلُّوا بأنهُ - صلى الله عليه وسلم - أمرَ سودةَ بنتَ زمعةَ بالاحتجاب منْهُ. وأجيبَ بأنهُ أمَرَها بالاحتجابِ منهُ على سبيلِ الاحتياطِ والوَرعِ والصيانةِ لأمهاتِ المؤمنينَ منْ بعضِ المباحاتِ معَ الشُّبهةِ وذلكَ لما رآهُ - صلى الله عليه وسلم - في الولدِ منَ الشَّبَهِ البيِّنِ بعتبةَ بن أبي وقاصٍ، وللمالكيةِ هُنا مسلكٌ آخرُ فقالوا: الحديثُ دال على مشروعيةِ حكمٍ بينَ حكميْنِ وهو أنْ يأخذَ الفرعُ شَبَهًا منْ أكثرِ منْ أصلٍ فيعطى أحكامًا فإنَّ الفراشَ يقتضيِ إلحاقَهُ بزمعةَ والشَّبهُ يقتضي إلحاقَه بعتبةَ فأَعْطَى الفرعُ حُكْمًا بينَ حكمين فَرُوْعِيَ الفراشُ في إثباتِ النسبِ وروعيَ الشَّبهُ البيِّنُ بعتبةَ في أمرٍ سودةَ بالاحتجابِ، قالُوا: وهذَا أَوْلَى التقديراتِ، فإنَّ الفرْعَ إذا دارَ بينَ أصليْنِ فأُلْحِقَ بأحدِهِما فقطْ فقدْ أُبْطِلَ شبْهُهُ بالثاني منْ كلِّ وجهٍ، فإذا الْحِقَ بكلِّ واحدٍ منْهما منْ وجْهٍ كانَ أوْلَى منْ إلغاءِ أحدِهِما في كلِّ وجْهٍ، فيكونُ هذا الحكمُ وهوَ إثباتُ النَّسبِ بالنظرِ إلى ما يجبُ للمدَّعي منْ أحكامِ البنوةِ ثابتًا وبالنظرِ إلى ما يتعلَّقُ بالغيرِ منَ النظرِ إلى المحارِمِ غيرُ ثابتٍ، قالُوا: ولا يمتنعُ ثبوتُ النسبِ منْ وجْهٍ دونَ وجْهٍ، كما ذهبَ أبو حنيفةَ والأوزاعيُّ وغيرُهم إلى [أنه] (٢) لا يحلُّ أنْ يتزوَّجَ بنتَه منَ الزِّنَى وإنْ كانَ لها حكمُ الأجنبيةِ، وقدِ اعترضَ هذَا [المحقق العلامة تاج الدين] (٣) ابنُ


(١) في (ب): "دال".
(٢) في (أ): "أن".
(٣) زيادة من (أ).