للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالَ الشافعي: لا أعلمُ خلافًا في إيجابِ دخولِ المرفقينِ في الوضوءِ، وبهذا عرفتَ أن الدليلَ قدْ قامَ على دخولِ المرافقِ.

قال الزمخشريُّ: لفظُ (إلي) يفيدُ معنى الغايةِ مطلقًا، فأمَّا دخولُها في الحكمِ وخروجُها فأمرٌ يدورُ معَ الدليلِ، ثمَّ ذكرَ أمثلةً لذلكَ، وقدْ عرفتَ أنهُ قدْ قامَ ها هنَا الدليلُ علَى دخولِها (ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثمَّ اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) أي: إلى المرافق ثَلاثَ مَرَّاتٍ، (ثُمَّ مَسَحَ برأسهِ) هوَ موافقٌ للآيةِ في الإتيانِ بالباءِ، ومسحَ يتعدَّى بها، وبنفسِهِ.

قالَ القرطبيُّ (١): إن الباءَ هنَا للتعديةِ يجوزُ حذفُها وإثباتُها، وقيلَ: دخلتِ الباءُ ها هنا لمعنى تفيدُهُ، وهوَ أن الغَسْلَ لغةً يقتضي مغسولًا بهِ، والمسحُ لغة لا يقتضي ممسوحًا به، فلو قالَ: امسحوا رؤوسكم لأجزأَ المسحُ باليدِ بغيرِ ماءٍ، فكأنه قال: وامسحوا برؤوسِكُم الماءَ، وهوَ من بابِ القلبِ، والأصلُ فيه امسحوا بالماءِ رؤوسَكم.

ثمَّ اختلفَ العلماءُ: هلْ يجبُ مسحُ كلِّ الرأسِ أو بعضِهِ؟ قَالوا: والآيةُ لا تقتضي أحدَ الأمرينِ بعينِهِ، إذْ قولُهُ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (٢) يحتملُ جميعَ الرأسِ أو بعضَهُ، ولا دلالَة في الآيةِ على استيعابِهِ، ولا عدمٍ استيعابهِ، لكنَّ مَنْ قالَ: يُجزئُ مسحُ بعضهِ قالَ: إنَّ السنةَ وردتْ مبيِّنةً لأحدِ احتمالي الآيةِ، وهوَ ما رواهُ الشافعيُّ (٣) منْ حديثِ عطاءٍ: "أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - توضأَ فحسرَ العمامةَ عنْ رأسهِ ومسحَ مُقَدَّمَ رأسِهِ"، وهوَ وإنْ كانَ مرسلًا، فقدْ اعتضدَ بمجيئهِ مرفوعًا منْ حديثِ أنسٍ (٤)، وهو وإن كانَ في سندِهِ مجهولٌ، فقدْ عضدَ بما أخرجهُ سعيدُ بنُ منصورٍ (٥) من حديثِ عثمانَ في صفةِ الوضوءِ: "أنهُ مسحَ مُقَدَّمَ رأسهِ"، وفيه راوٍ مختلفٌ فيهِ.


(١) في "تفسيره" (٦/ ٨٨).
(٢) سورة المائدة: الآية ٦.
(٣) في "الأم" (١/ ٤١) مرسلًا.
(٤) أخرجه أبو داود في "السنن" (١/ ١٠٢ رقم ١٤٧) عنه قال: "رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ وعليه عِمامَةٌ قِطْريَّة، فأدخل يده من تحتِ العِمامة فمسح مُقَدَّم رأسه ولم ينقض العِمامة".
قلت: في سنده جهالة، وهو حديث ضعيف.
• القِطْر: نوع من البرود فيه حمرة. وقيل: قرية بالبحرينِ.
(٥) لم يطبع منه إلا كتاب "ولاية العصبة"، و"كتاب الوصايا" و"كتاب الطلاق"، و"كتاب الجهاد".