للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولما يأتي (١) منْ حديثِ ابن عبابر بلفظِ: "فإنْ نسيَ أنْ يسمِّيَ حينَ يذبحُ فليسمِّ ثمَّ ليأكلْ"، سيأتي في آخرِ البابِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.

وذهبَ آخرونَ إلى أنَّها سنَةُ، منهمْ ابنُ عباسٍ ومالكٌ وروايةٌ عنْ أحمدَ، مستدلينَ بقولِه تعالَى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (٢)، قالُوا: فأباحَ التذكيةَ منْ غيرِ اشتراطِ التسميةِ، بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٣) وهمْ لا يسمُّونَ، ولحديثِ عائشةَ الآتي (٤)، وأنَّهم قالُوا: يا رسولَ الله إنَّ قومًا يأتونَنَا بلحم لا ندري أَذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عليهِ أم لا أفنأكُلُ منها؟ قالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: سمُّوا عليهِ أنتُم وكلُوا".

وأجابُوا عنْ أدلةِ الإيجابِ بأنَّ قولَه: "ولا تأكلُوا المرادُ بهِ ما ذُبِح للأصنامِ كما قالَ تعالَى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}، {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (٥)؛ لأنهُ تعالَى قالَ: {وَإنَّهُ لَفِسْقٌ}، وقدْ أجمعَ المسلمونَ على أن مَنْ أكلَ متروكَ التسميةِ عليهِ فليسَ بفاسقٍ، فوجبَ حَمْلُها على ما ذُكِرَ جَمْعًا بينها وبينَ الآياتِ السابقةِ، وحديثُ عائشةَ.

وذهبتِ الظاهرية إلى أنهُ يحرم أَكْلُ ما لم يسمَّ عليهِ ولو كانَ تارِكُها ناسيًا لظاهرِ الآيةِ الكريمةِ، وحديثُ عديٍّ - رضي الله عنه - ولم يفصلْ. قالُوا: وأما حديثُ عائشةَ وفيهِ "أنَّهم قالُوا: يا رسولَ الله إن قومًا حديث عهدِهم بالجاهليةِ يأتونَ بلحمانٍ - الحديثَ"، فقد قالَ ابنُ حجرٍ إنهُ أعلَّه البعضُ بالإرسالِ، قالَ الدارقطني: الصوابُ أنهُ مرسلٌ على أنهُ لا حجةَ فيهِ لأنهُ أدارَ الشارعُ الحكمَ على المظنَّةِ وهيَ كونُ الذابحِ مسلمًا، وإنَّما شكَّكَ على السائلِ حداثةَ إسلامِ القومِ فألغاهُ - صلى الله عليه وسلم -، بلْ فيهِ دليلٌ على أنهُ لا بدَّ منَ التسميةِ وإلا لبيَّنَ لهم - صلى الله عليه وسلم - عدمَ لزومِها، وهذا وقتُ الحاجةِ إلى البيان.

وأما حديثُ:


= قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وحسنه النووي في "الأربعين" الحديث التاسع والثلاثون. وصحَّحه الألباني في "الإرواء" رقم (٨٢).
(١) برقم (١٣/ ١٢٦٤) من كتابنا هذا.
(٢) سورة المائدة: الآية ٣.
(٣) سورة المائدة: الآية ٥.
(٤) برقم (٥/ ١٢٥٦) من كتابنا هذا.
(٥) سورة المائدة: الآية ٣.