للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(رُفِعَ عنْ أمتي الخطأُ والنسيانُ) (١)، فهمْ متفقونَ علَى تقديرِ رفْعِ الإِثْمِ أو نحوِه ولا دليلَ فيهِ.

وأما أهلُ الكتابِ فهمْ يذكرونَ اسمَ اللَّهِ علَى ذبائِحهم فيتحصَّلُ قوةُ كلامِ الظاهريةِ، فيتركُ ما تيقنَ أنهُ لم يسمِّ عليهِ، وأما ما شكَّ فيهِ والذابحُ مسلمٌ فكما قال - صلى الله عليه وسلم -: "اذكُروا اسمَ اللَّهِ وكلُوا".

المسألةُ الثالثةُ: في قولِه: (فإِنْ أدركْتَه حيًا فاذبْحُه). فيهِ دليل على أنهُ يجبُ عليهِ تذكيتُه إذا وجدَه حيًا ولا يحلُّ إلَّا بها وذلكَ اتفاقٌ، فإنْ أدركَهُ [وبه] (٢) بقيةُ حياةٍ فإنْ كانَ قدْ قطعَ حلقومَهُ أو مريئَه أوْ خرق أمعاءَه أوْ أخرجَ حشْوهُ فيحلُّ بلا ذكاةٍ، قالَ النوويُّ (٣): بالإجماعِ، وقالَ المهدي (٤) للهادويةِ: إنهُ إذا بقيَ فيهِ رمَقٌ وجبَ تذكيتُه، والرَمقُ إمكانُ التذكيةِ لو حضرتْ آلةٌ.

ودلَّ قولُه: (وإنْ أدركته قدْ قَتَلَ ولم يأكلْ [فكل]) (٥)، أنهُ إذا أكلَ حرُمَ أكلُه، وقدْ عرفتَ أن مِنْ شرطِ المعلَّم أنْ لا يأكلَ، فأكْلُه دليلٌ على أنهُ غيرُ كاملِ التعليم. وقدْ وردَ في الحديثِ الآخرِ تعليلُ ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإني أخاف أن يكون إنما أمَسك على نفسه" (٦)، وهو مستفادٌ منْ قولهِ تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} فإنهُ فسَّرَ الإمساكَ على صاحبِه بأنْ لا يأكلَ منهُ.

وقدْ أخرجَ أحمدُ (٧) منْ حديثِ ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: "إذا أرسلتَ الكلبَ فأكلَ الصيدَ فلا تأكلْ، فإنَّما أمسكَ على نفسهِ، وإذا أرسلْتَهُ ولم يأكلْ فكلْ فإنَّما أمسكَ على صاحبه"، وإلى هذا ذهبَ أكثرُ العلماءِ، ورُوِيَ عنْ عليّ - رضي الله عنه - وجماعةٍ منَ الصحابةِ أنهُ يحل، وهوَ مذهبُ مالكٍ لقولِه - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ أبي ثعلبةَ الذي أخرجَهُ أبو داودَ باسنادٍ حسنٍ (٨) أنهُ


(١) تقدم تخريجه آنفًا، وهو حديث صحيح.
(٢) في (ب): "وفيه".
(٣) في "شرح صحيح مسلم" (١٣/ ٧٨).
(٤) في "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" (٤/ ٢٩٦).
(٥) في (ب): "فكله".
(٦) وهو جزء من حديث أخرجه البخاري (٥٤٨٣)، ومسلم (٢/ ١٩٢٩).
(٧) في "المسند" (١/ ٢٣١).
(٨) في "السنن" (٢٨٥٧)، وهو حديث حسن، لكن قوله: "وإن أكل منه" منكر.