للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أجابوا عنه: بأن عبارة: "فانتهى الناس عن القراءة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" من قول راوي الحديث وهو الزهري (١).

والكلام في مسألة قراءة المأموم خلف الإمام يطول وسنفصل القول فيه إن شاء اللَّه تعالى لما يأتي موضعه.

* قوله: (وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا أَيْضًا: إِنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ"، مُبْهَمٌ، وَالأَحَادِيثَ الأُخرَى مُعَيِّنَةٌ، وَالمُعَيِّنُ يَقْضِي عَلَى المُبْهَمِ، وَهَذَا فِيهِ عُسْرٌ، فَإِنَّ مَعْنَى حَرْفِ "مَا" هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ مَعْنَى أَيِّ شَيْءٍ تَيَسَّرَ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ هَذَا إِنْ دَلَّتْ "مَا" فِي كَلَامِ العَرَبِ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ لَامُ العَهْدِ، فَكَانَ يَكُونُ تَقْدِيرُ الكَلَامِ: اقْرَإِ الَّذِي تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآن، وَيَكُونُ المَفْهُومُ مِنْهُ أُمَّ الكِتَابِ، إِذَا كَانَتِ الأَلِفُ وَاللَّامُ فِي "الَّذِي" تَدُلُّ عَلَى العَهْدِ، فَيَنْبَغِي أَنَّ يُتَأَمَّلَ هَذَا فِي كَلَامِ العَرَبِ، فَإِنْ وَجَدْتَ العَرَبَ تَفْعَلُ هَذَا -أَعْنِي: تَتَجَوَّزُ فِي مَوْطِنٍ مَا- فَتَدُلُّ بِـ "مَا" عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَلْيَسُغْ هَذَا التَّأْوِيلُ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ (٢)، فَالمَسْأَلَةُ كَمَا تَرَى مُحْتَمِلَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يَرْتَفِعُ الِاحْتِمَالُ لَو ارْتَفَعَ النَّسْخُ).

حقيقة هذا الكلام الذي دخل فيه المؤلف -بأن تطرق لهذه الجزئية- وهذا التفصيل ما كان يحتاج إليه لو وقف على الروايات الأخرى، فهو هنا أراد أن يتعمق فيما يتعلَّق باللغة في عبارة: "ما تيسر منه".


(١) انظر: "المجموع شرح المهذب"، للنووي (٣/ ٣٦٣)، وفيه قال: "وقوله: "فانتهى الناس عن القراءة مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما جهر فيه" هو من كلام الزهري، وهو الراوي عن ابن أكيمة. قاله محمد بن يحيى الذهلي والبخاري وأبو داود، واستدلوا برواية الأوزاعي حين ميزه من الحديث وجعله من قول الزهري".
(٢) لكن للجمهور رد آخر خلاف ما ذكره المؤلف.
قال النووي في الجواب عن الحديث: "وعن الحديث: أن الفاتحة تتيسر فيحمل عليها جمعًا بين الأدلة أو يحمل على من يحسنها" انظر: "المجموع شرح المهذب" (٣/ ٣٢٩). وانظر: "المغني"، لابن قدامة (١/ ٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>