للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما حديث ابن عمر، فإنه نصٌّ في الدلالة وفي المدَّعى، لأنه قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ العَصْرُ"؛ فجعل وقت العصر غير وقت الظهر، وهذا أوضح دلالة وأصرح في ذلك.

والله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض، وفرض ألا نضيعها، وحدَّ حدودًا، ونهانا عن تجاوزها، كما جاء في الحديث (١).

والخلاف الذي وقع بين الجمهور والحنفية لم يكن تشهيًا؛ بل هو من الخلاف الذي أقره العلماء، وليس من الخلاف المذموم الذي ينتهي إلى التقاطع والتشاحن، أو الذي ينتهي إلى تفرقة هذا الأمة، إنما كان الخلاف للوصول إلى الحق فقط، فغايتهم كلهم -رحمهم الله- أن يصلوا إلى ما في كتاب الله عز وجل، وإلى ما في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

* قوله: (وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي آخِرِ وَقْتِ العَصْرِ: فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَان، إِحْدَاهُمَا (٢): أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيءٍ مِثْلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (٣). وَالثَّانِيَةُ (٤): أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (٥)، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: آخِرُ وَقْتِهَا قَبْلَ غُرُوبِ


(١) معنى حديث أخرجه الدارقطني في "سننه" (٥/ ٣٢٥) عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها"، وضعفه الألباني في "غاية المرام" (ص ١٧).
(٢) يُنظر: "الإشراف" للقاضي عبد الوهاب (١/ ٢٠٢) قال: "آخر وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثليه".
(٣) يُنظر: "تحفة المحتاج" للهيتمي (١/ ٤١٩) قال: "والاختيار أن لا يؤخر بالفوقية عن وقت مصير الظل للشيء مثلين سوى ظل الاستواء إن كان".
(٤) يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (١/ ٣٨٩) قال: "وهو أول وقت العصر للاصفرار … وذكر المصنف أن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر المختار، وآخر وقتها المختار اصفرار الشمس … وهذا مذهب المدونة".
(٥) يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٢٥٢) قال: "وعنه إلى اصفرار الشمس، اختاره الموفق والمجد وجمع، وصححها في الشرح وابن تميم وجزم بها في الوجيز".

<<  <  ج: ص:  >  >>