للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد وضع حذًا للتفريط في الصلاة؛ فالتفريط فيها لا ينطبق على مَن ينام، أو ينساها، أو يحول بينه وبين أدائها بعذر من مرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار المعروفة؛ لكن التفريط هو أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى، وهذا فيه تأكيد على أهمية أوقات الصلوات، وأنها متعينة، وواجبة وشرط في صحة الصلاة.

وفي حديث أَبِي قَتَادَةَ دليل لمن ذهب أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس، وأن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر؛ ولكننا نقول: إن ذلك وقت ضرورة.

وكثير من الأحاديث تلتقي مع حديث عبد الله بن عباس في إمامة جبريل، وهو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ العِشَاءَ إِلَى ثلث اللَّيْلِ" (١).

وفي بعض الأحاديث أنه -صلى الله عليه وسلم- أخَّرها فعلًا إلى ثلث الليل، وكذلك حصل ذلك في زمن الصحابة؛ بل ثبت في "الصحيحين" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أنه قَالَ: "أَخَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَاةَ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثمَّ صَلَّى .. " (٢)؛ فدلَّ ذلك على أن الأفضل في صلاة العشاء هو تأخيرها عن أول وقتها إلى ثلث الليل، أو نصف الليل، شريطة ألا يدركه النوم في ذلك الوقت الذي أخَّرها إليه؛ فإن خشي الإنسان أن يدركه النوم؛ فالأولى التبكير، وألا يشق الإمام على المأمومين بتأخيرها.

يقول -سبحانه وتعالى- في رحمة رسوله -صلى الله عليه وسلم-: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨] وقال: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩]، وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩]؛ فهذا هو منهج إلى سول -صلى الله عليه وسلم- بأمته،


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>