للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذًا ليس مذهب أبي حنيفة على إطلاقه، ونحن كثيرًا ما نقول: المذهب الحنفي، أو: مذهب أبي حنيفة، وإن كنا نقصد بذلك الإمام، لكن كثيرًا ما نجد أن صاحبيه أو أحدهما يخالف الإمام، يعني: ربما يقول الإمام أبو حنيفة قولًا فيوافقه أبو يوسف، ويخالفهما محمد بن الحسن، وربما يقول أبو يوسف قولًا ويخالفه الإمام ومحمد، وربما ينفرد محمد بقولٍ ويخالفه الإمام أبو يوسف، وهكذا، وهذه أمورٌ نبه عليها الحنفية، وذكروا شواهد وأمثلةً عليها، وهذا حقيقة ليس في مذهب أبي حنيفة، ففي كل المذاهب قد تجد من أصحاب الإمام من يخالفه، فقد يقول الإمام بقولٍ، وتجد بعض أصحابه يتبين له قوة دليل هذا القول فيخالف إمامه؛ لأنه يرى أنَّ الدليل مع الطرف الآخر أقوى مما أخذ به إمامه، فقد يكون إمامه لم يقف على الدليل؛ لأنَّ إمامه ليس محيطًا بالعلم، وربما وقف على الدليل ولم يصح عنده، بل صحَّ عند غيره من طريقٍ آخر.

كما رأيتم في الحديث الذي مرّ بنا وهو حديث عمرو بن شعيب، لم يصح عند الترمذي ولكنه صحَّ عند أبي داود، ونحن هنا لا نقتصر على كتابٍ من كتب الحديث ولا على طريقٍ من الطرق التي ورد فيها الحديث، وإنما يجمع الطرق، وأحيانًا قد تكون الطرق فيها ضعفٌ، لكنها إذا جمعت يقوي بعضها بعضًا، ويصبح الحديث صالحًا للاحتجاج به، قد يأتي الحديث بعدة رواياتٍ، وبطرق متعددةٍ، وكل طريقٍ لا يسلم من مقالٍ، فإذا جمعت هذه الطرق وتتبعت وجمعت في مكانٍ واحدٍ، صار بعضها يقوي بعضًا فصار هذا الحديث صالحًا للاحتجاج به، ولذلك أمثلة كثيرةٌ معروفة في كتب الحديث وفي كتمب الفقه، ولكنها أبين وأظهر في كتب الحديث.

* قوله: (وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلَّفْظِ، وَمَا يُظَنُّ مِنْ مُعَارَضَةِ اللَّفْظِ لِلَّفْظِ فِيهَا، أَمَّا اللَّفْظُ الَّذِي يَقْتَضِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَقَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا في

<<  <  ج: ص:  >  >>