للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقدمون مالًا طابت به أنفسهم، أرادوا أن يقدموه شكرًا للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على ما أنعم عليهم مما وهبهم وأعطاهم ومنحهم، فينبغي أن تأخذ ذلك، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك حكمًا شرعيًّا مقررًا، ولا ينبغي أن يُفهم أن هذا الذي تأخذه يجعله من يأتي بعدك جزيةً.

وهذا فيه دليلٌ على أن أخذها ليس بواجب، وأن عليًّا -رضي اللَّه عنه- قال: حتى لا يعدها من يأتي بعدك جزيةً، على أنه لم يفهم الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أن في الخيل زكاةً، هذه من الأدلة أيضًا التي نتلمّسها فيما فعله عمرُ -رضي اللَّه عنه-، ونحن وجدنا عدة أدلة نستنتجها مما حصل في هذا الأثر، فهم تبرعوا.

دليلٌ آخر يُضاف إلى ذلك: أن عمر -رضي اللَّه عنه- عندما أقدم على أخذها منهم كان ينفق على عبيدهم، إذن هذه مقابل هذه، وتلك مقابل تلك، إذن عمر أخذ منهم هذا الذي جادت به أنفسهم، وتبرعوا به، لكنه مقابل ذلك كان ينفق على عبيد أولئك الرجال الذين جاؤوا، فأرادوا أن يقدموا شيئًا من أموالهم.

وبهذا نتبين عن طريق هذا العرض، والمناقشة، والتعليل، والبيان، أنه ليس فيما فعله عمر -رضي اللَّه عنه- ما يدل على وجوب زكاة الخيل، بل الفقيه الحصيف يدرك أن ما فعله عمر دليل على عدم وجوبها، وبهذا يكون ما احتج به الفريق الثاني مما فعله عمر -رضي اللَّه عنه- حُجّةً عليهم وليس حُجّة لهم؛ لأن عمر -رضي اللَّه عنه- توقف، وربط توقفه بأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكر لم يفعلاه، واستشار الصحابة، ولو كانت الزكاة واجبة لما احتاج أن يستشيرهم في أمرٍ معلوم، ولمَّا استشارهم أيضًا أشار عليه عليّ -رضي اللَّه عنه-، وقيّد ذلك بألا يُعتبر جزيةً؛ فلم يكن للزكاة بينهم حديث في ذلك وكان عمر -رضي اللَّه عنه- ينفق على عبيدهم.

* قوله: (وَأَمَّا مَا اخْتَلَفُوا فِي صِنْفِهِ: فَهِيَ السَّائِمَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مِنْ غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْهَا).

المؤلف هنا بدأ الحديث عما يتعلق بالسائمة؛ أي: في سائمة بهيمة

<<  <  ج: ص:  >  >>