للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هذا نتبيَّن أن العلماء الذين قالوا بوجوب زكاة العسل اختلفوا أيضًا فيما تجب فيه الزكاة؛ فبعضهم قال: تجب في قليله وكثيره، وبعضهم فصَّل القول في ذلك، فقال: تجب الزكاة فيه إذا بلغ خمسة أوسق، وبعضهم قال دون ذلك.

ويهمنا هنا أن القول الراجح في هذه المسألة هو وجوب الزكاة في العسل، وهناك تعليل يذكره مَن قال من أهل العلم بوجوب زكاة العسل، ويشبِّهونه بالخارج من الأرض؛ فيقولون: هذا قد خَرَج من حيوان، وما خرج من الأرض من ثمرٍ وحبٍّ تجب فيه الزكاة، والحبُّ والثمر المشقة في إخراجهما أشدُّ؛ أي: الكُلفة فيهما أكبر من الكلفة في إخراج العسل؛ فالعسل تضع له منحلة، وترتِّبُ له أمورًا وتتابعها؛ فمشقتها محدودة، لكنَّ الحبَّ تحتاج معه إلى أن تحرث الأرض، وتنظفها، وتتعهَّدها بالسَّقي والرعاية والمتابعة، وبعد ذلك ما خرج منها من زرع فإنك أيضًا تحصده، وتقطف الثمر، ثم تنقِّيه وتنظِّفه، إلى آخر ذلك.

إذن المشقَّة فيما يخرج من الأرض أكبر من المشقة في إخراج العسل، فإذا كان الخارج من الأرض تجب فيه الزكاة -مع ما فيه من مشقة-، فأولى أن تجب فيما يخرج من النحل.

* قوله: (فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَالْجُمْهُورُ (١) عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فيه).

اختلفوا في العسل خاصَّة؛ لورود تلك الأدلَّة السابقة الذكر.


(١) هو مذهب المالكية، يُنظر: "الذخيرة" للقرافي (٣/ ٧٥)؛ حيث قال: "ولا يختلف المذهب في عدم الزكاة في العسل".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "المهذب في فقة الإمام الشافعي" للشيرازي (١/ ٢٨٤)؛ حيث قال: "واختلف قوله في العسل فقال في القديم: يحتمل أن يجب فيه ووجهه ما روي أن بني شبابة بطنًا من فهم كانوا يؤدُّون إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من نحل كان عندهم العشر من عشر قرب قربة، وقال في الجديد: لا تجب؛ لأنه ليس بقوت فلا يجب فيه العشر كالبيض".

<<  <  ج: ص:  >  >>